135

Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

وشاء كتب العقوبة طلبا لموافقة رضاه ومحبته وعلم أن العذاب أولى بها وأنه لا يليق بها سواه ولا تصلح إلا له فذابت منها تلك الخبائث كلها وتلاشت، وتبدلت بذل وانكسار وحمد وثناء على الرب تبارك وتعالى، ولم يكن في حكمته أن يستمر بها في العذاب بعد ذلك، إذ قد تبدل شرها بخيرها، وشركها بتوحيدها وكبرها بخضوعها وذلها.

ولا ينتقص هذا بقوله عز وجل {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} فإن هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث، وإنما هو عند المعاينة قبل الدخول فإنه سبحانه قال {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} (الأنعام:27-28).

فهذا إنما قالوه قبل أن يستخرج العذاب منهم تلك الخبائث، فأما إذا لبثوا في العذاب أحقابا، والحقب كما رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [الحقب خمسون ألف سنة] فإنه من الممتنع أن يبقى ذلك الكبر والشرك والخبث بعد هذه المدد المتطاولة في العذاب.

الوجه العشرون: أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة [فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل.

فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه].

Halaman 138