Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya
لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
Genre-genre
فإن قلتم: إن ذلك هو موجب الرحمة والحكمة والمصلحة قلتم ما لا يعقل، وإن قلتم إن ذلك عائد إلى محض المشيئة ولا تطلب له حكمة ولا غاية فجوابه من وجهين.
أحدهما: إن ذلك محال على أحكم الحاكمين وأعلم العالمين أن تكون أفعاله معطلة عن الحكم والمصالح والغايات المحمودة والقرآن والسنة وأدلة العقول والفطر والآيات المشهودة شاهدة ببطلان ذلك.
والثاني: أنه لو كان الأمر كذلك لكان إبقاؤهم في العذاب وانقطاعه عنهم بالنسبة إلى مشيئته سواء ولم يكن في انقضائه ما ينافي كماله وهو سبحانه لم يخبر بأبدية العذاب وأنه لا نهاية له. وغاية الأمر على هذا التقدير: أن يكون من الجائزات الممكنات الموقوف حكمها على خبر الصادق. فإن سلكت طريق التعليل بالحكمة والرحمة والمصلحة لم يقتض الدوام، وإن سلكت طريق المشيئة المحضة التي لا تعلل لم تقتضه أيضا. وإن وقف الأمر على مجرد السمع فليس فيه ما يقتضيه.
السادس عشر: أن رحمته سبحانه سبقت غضبه في المعذبين فإنه أنشأهم في رحمته، ورباهم برحمته ورزقهم وعافاهم برحمته وأرسل إليهم الرسل برحمته وأسباب النقمة والعذاب متأخرة عن أسباب الرحمة طارئة عليهم فرحمته سبقت غضبه فيها وخلقهم على خلقه، تكون رحمته إليهم أقرب من غضبه وعقوبته. ولهذا ترى أطفال الكفار قد ألقى عليهم رحمته فمن رآهم رحمهم، ولهذا نهى عن قتلهم فرحمته سبقت غضبه فيهم، فكانت هي السابقة إليهم ففي كل حال هم في رحمته في حال معافاتهم وابتلائهم.
وإذا كانت الرحمة هي السابقة فيهم لم يبطل أثرها بالكلية وإن عارضهم أثر الغضب والسخط فذلك لسبب منهم، وما أثر الرحمة فسببه منه سبحانه فما منه يقتضي رحمته. وما منهم يقتضي عقوبتهم والذي منه سابق غالب، وإذا كانت رحمته تغلب غضبه فلأن يغلب أثر الرحمة أثر الغضب أولى وأحرى.
Halaman 135