Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya

Abdul Rahman Abdul Khalik d. 1442 AH
126

Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

الوجه الحادي عشر: وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة والرضا أحب إليه من الغضب. والفضل أحب إليه من العدل. ولهذا ظهرت آثار المحبة في شرعه وقدره ويظهر كل الظهور لعباده في ثوابه وعقابه، وإذا كان ذلك أحب الأمرين إليه وله خلق الخلق وأنزل الكتب وشرع الشرائع وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما، وتلك المواد الرديئة الفاسدة مرض من الأمراض وبيده سبحانه الشفاء التام والأدوية الموافقة لكل داء، وله القدرة التامة والرحمة البالغة والغنى المطلق، وبالعبد أعظم حاجة إلى من يداوي علته التي بلغت غاية الضرر والمشقة، وقد عرف العبد أنه عليل وأن دواءه بيد الغني الحميد، فتضرع إليه ودخل به عليه واستكان له وانكسر قلبه بين يديه وذل لعزته وعرف أن الحمد كله له، وأن الخلق كله وأنه هو الظلوم الجهول وأن ربه تبارك وتعالى عامله بكل عدله لا يبغض عدله، وأن له غاية الحمد فيما فعل به، وأن حمده هو الذي أمامه، في هذا المقام وأوصله إليه وأنه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه، بل ذلك محض فضل الله وصدقه عليه وأنه لا نجاة له مما هو فيه بمجرد العفو والتجاوز عن حقه فنفسه أولى بكل ذم وعيب ونقص، وربه تعالى أولى بكل حمد وكمال ومدح.

فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه ورحمته وكماله وحمده الذي أوجب لهم ذلك فطلبوا مرضاته ولو بدوامهم في تلك الحال. وقالوا إن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نرى وما أوصلنا إلى هذه الحال إلا طلب ما لا يرضيك فأما إذا أرضاك، هذا منا فرضاك غاية ما نقصده (وما لجرح إذا أرضاك من ألم) وأنت أرحم بنا من أنفسنا وأعلم بمصالحنا لك الحمد كله، عاقبت أو عفوت، لانقلبت النار عليهم بردا وسلاما.

Halaman 129