Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya

Abdul Rahman Abdul Khalik d. 1442 AH
124

Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

الوجه العاشر: إن رضا الرب تبارك وتعالى ورحمته صفتان ذاتيتان له، فلا منتهى لرضاه بل كما قال أعلم الخلق به: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. فإن كانت رحمته غلبت فإن رضا نفسه أعلى وأعظم، فإن رضوانه أكثر من الجنات ونعيمها وكل ما فيها وقد أخبر أهل الجنة أنه يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا، وأما غضبه تبارك وتعالى وسخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل ولا يزال غضبان والناس لهم في صفة الغضب قولان:

أحدهما: أنه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله.

والثاني: أنه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به. وعلى القولين فليس كالحياة والعلم والقدرة التي يستحيل مفارقتها له والعذاب إنما ينشأ من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه، وقد جاء في أثر مرفوع: [إن الله خلق خلقا من غضبه وأسكنهم بالمشرق وينتقم بهم ممن عصاه] فمخلوقاته سبحانه نوعان من نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة. ونوع مخلوق من الغضب وبالغضب.

فإنه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه ومنه أنه يرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل وينتقم ويعفو. بل هذا موجب ملكه الحق وهو حقيقة الملك المقرون بالحكمة والرحمة والحمد. فإذا زال غضبه سبحانه وتبدل برضاه زالت عقوبته وتبدلت برحمته فانقلبت العقوبة رحمة بل لم تزل رحمة وإن تنوعت صفتها وصورتها كما كان عقوبة العصاة رحمة وإخراجه من النار رحمة، فتقلبوا في رحمته في الدنيا وتقلبوا فيها في الآخرة، لكن تلك رحمة يحبونها وتوافق طبائعهم وهذه رحمة يكرهونها وتشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يبضع لحم المريض ويلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة.

Halaman 127