قلت: «أرجو أن يتسع صدركم لي كي أبسط وجهة نظري. وإني واثق أنكم من السماحة والكرم بحيث تسمحون لي أن أتحدث باللغة العربية كي أحسن التعبير عن نفسي، وتأكدوا أني أشارككم الألم لخسارتكم؛ فهي خسارة لنا جميعا.»
خاطبني الأشقر في حدة: «ستتكلم عندما نأذن لك.»
تناول العجوز رشفة ماء من كوب أمامه، ثم استطرد: «لقد وضعت اللجنة نفسها منذ البداية في خدمة الأهداف الثورية، والمبادئ الأخلاقية، والقيم الدينية، وساند أعضاؤها كل ما من شأنه دعم المقومات الأساسية، وتعميق الممارسات الحرة.
وطبيعي أننا أثرنا بذلك حفيظة عناصر الشر والهدم التي لم تأل جهدا في مقاومتنا. وأشير في هذا الصدد إلى ما أثير من ضجة مفتعلة حول الأساليب التي نستخدمها في عملنا، وإلى الاتهامات التي أغدقت علينا، بالسادية حينا، والديماغوجية حينا آخر.
وقد حاولت هذه العناصر دائما أن تربط بيننا وبين الانقلابات السياسية والمذابح الطائفية والحروب الصغيرة الدائرة على قدم وساق في العالم العربي، بل وبعض حالات الانتحار الغامضة، وحوادث متفرقة لأشخاص اختفوا نهائيا دون أن يعثر لهم على أثر، وآخرين سقطوا من أسطح البنايات، أو قتلوا في حوادث عرضية للسيارات.
إلا أن الاعتداء على زميلنا يمثل تطورا بالغ الشأن في هذه المحاولات، الأمر الذي يتطلب منكم اهتماما خاصا. فإذا ما بدت مهمتكم يسيرة لأن المجرم ماثل أمامكم ومقر بما ارتكبه من إثم؛ فإن هذا ليس سوى خداع السطح البراق، وواجبكم هو أن تنفذوا إلى الأعماق.»
بدت على العجوز علامات الإرهاق وهو يتراجع إلى الوراء في مقعده، كأنما يفسح المجال لزملائه. وكانت العانس العسكرية هي أول من تكلم منهم فخاطبتني قائلة: «يمكنك الآن أن تتكلم.»
كان صوتها رقيقا، لكنه لم يخف ما يكمن بين طياته من صرامة ضاعف منها إشاراتها إلى رد الأشقر علي، بما يتضمن التأييد لحدته.
والواقع أني كنت شديد الانتباه لنظرات العيون، وإيماءات الرءوس، ونبرات الأصوات، وبالاختصار كل بادرة يمكن أن أستشف منها ما ينتظرني من مصير.
وليس معنى ذلك أن الشكوك كانت تساورني بشأنه؛ فقد هيأت نفسي قبل مجيئي لأسوأ الاحتمالات؛ إذ إني لم أنكر شيئا منذ البداية، ولم أحاول تبرير فعلتي. ومن ناحية أخرى فإن الندم لم يساورني؛ إذ غشيتني قناعة بأن ما حدث كان لا بد أن يحدث.
Halaman tidak diketahui