معرفة قيمة العلم
أول شي من أجل أن تصبح عالمًا: أن تعرف قيمة الأمر الذي تجاهد من أجله، على قدر قيمة الأمر في ذهنك، على قدر العمل، وعلى قدر الوقت، وعلى قدر الجهد الذي تبذله في هذا الأمر، وقد ذكرنا أحاديث كثرة جدًا في قيمة العلم وفضله، أنت تريد أن تكون عالمًا؟ كلنا نريد أن نكون علماء، أذكركم بحديثين لرسول الله ﷺ من أجل أن تعرفوا ماذا تعني كلمة عالم؟ وما هو مطمحنا الذي نبحث عنه؟ كلما كبر طموحك في قضية من القضايا فرغت لها جزءًا من عمرك، هناك ناس تقاتل وتجاهد من أجل الدنيا، تراه ساهرًا (٢٤) ساعة يتصارع مع هذا ومع ذاك، ممكن يختلف ويتشاجر حتى مع إخوانه، ممكن يدلس، ممكن يسرق، وحتى في الحلال قد يبذل المرء كل الوقت وكل الجهد وكل الفكر، ويقرأ ويبحث ويسافر ويسهر ويكدح من أجل أن يجمع مالًا، فلا بد أن تبذل الجهد والوقت في قضية العلم إن كنت تعرف قيمته، أما إذا كنت.
لا تعرف قيمته فقد تعطيه جزءًا يسيرًا من جهدك ووقتك، ستذاكر ربع ساعة، ثلث ساعة، قبل الامتحان أيامًا قليلة، حسب قيمة العلم في ذهنك، هناك ناس تقاتل من أجل السلطة وترون إلى أي درجة تكون التصارعات على السلطة، والدماء التي تسيل والأشلاء التي تقطع هنا وهناك في مشارق الأرض ومغاربها، تقاتل الناس من أجل السلطة حين أحست بما أحس بقيمة السلطة، وأنت على قدر قيمة العلم عندك اعمل واجتهد، وانظر إلى قيمة العلم وقيمة العالم في نظر حبيبنا ﷺ، يقول ﷺ: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)، تكلمنا عن الحديث من قبل، وبفضل الله كل هؤلاء الحضور فتحوا لهم طريقًا إلى الجنة، نسأل الله القبول منا أجمعين، وكلما بعدت المسافات وجاء من مكان بعيد كان الطريق أوسع وأرحب وأعظم إلى الجنة.
ثم من الكلمات الجميلة جدًا يقول ﷺ: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضًا بما يصنع)، يعني: عندما تأتي لطلب العلم تقابلك الملائكة في الطريق -وأنت لا تراها لكن هي تراك- فتضع أجنحتها لك؛ تواضعًا لك، وتعظيمًا لك، وتكريمًا وتبجيلًا لك، تقف لك الملائكة في الطريق هكذا؛ لأنك تذهب إلى مجلس علم تلتمس علمًا، انظر إلى عظم الأمر، تغيرات كونية هائلة، تنزل الملائكة وتضع أجنحتها لا تحرسك فقط، بل تتواضع لك، وتبجلك وتعظمك.
وجاء في الترمذي وأبي داود وابن ماجه -وهو حديث صحيح- عن رسول الله ﷺ أنه قال: (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض) عندما تجعل هدفك في حياتك أنك تصبح عالمًا في مجال من مجالات العلوم النافعة للمسلمين تصبح في هذه الدرجة العجيبة، يستغفر لك من في السماوات ومن في الأرض، قد يخطر على بالنا أن من في السماوات الملائكة، ومن في الأرض البشر فقط، نقول: لا، بل هناك أشياء أخرى تستغفر لك غريبة جدًا يقول: (حتى الحيتان في الماء)، يعني: حتى السمك في الماء يستغفر لك، وكذلك الحيوانات، وكذلك النباتات، وكذلك كل خلق من خلق الله ﷿؛ لأنه لما قال: (حتى الحيتان) يعني: أن كل شيء في الكون يستغفر لك حتى الحيتان في الماء، وهي أصلًا لا تراك بعيدة عنك ومع ذلك تستغفر لإنسان يطلب العلم، أليست هذه درجة نطمح جميعًا أن نكون فيها؟! ثم يقول ﷺ: (وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) فائدة القمر عظيمة مقارنة بغيره من الكواكب.
وقوله: (فضل العالم على العابد) يعني: لو قال: فضل العالم على الجاهل لفهمنا المعنى، ولو قال: فضل العالم على الفاسق لكان واضحًا، لكن قال على العابد، يعني: العالم أفضل من إنسان عابد لربه ﷾؛ لأن العابد ليس على علم، فالفرق بين العابد وبين العالم كالفرق بين القمر ليلة البدر وسائر الكواكب.
ثم يقول: (وإن العلماء ورثة الأنبياء) يعني: إن كنت تريد أن ترث حبيبك ﷺ فهو لم يترك مالًا ﷺ وإنما ترك العلم، فهذا هو ميراث الحبيب ﷺ وميراث الأنبياء جميعًا: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) يعني: أنت تنافس العالم وترجو أن تكون في مقامه، وتتمنى أن تكون في موضعه، لكن أحيانًا طموحنا نريد أن نكون مثل فلان في ثروته، مثل فلان في سلطته، مثل فلان في وضعه الاجتماعي، مثل فلان في شكله، وهذه الأمور كلها لا تساوي شيئًا، الذي يساوي حقيقة هو ميراث الأنبياء العلم، (فمن أخذه أخذ بحظ وافر) يعني: أخذ بفضل كبير جدًا.
والعلم هو ما أعطاه ربنا ﷾ لأخص أهله من أهل الأرض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
في الحديث السابق يقارن الرسول ﵊ بين العالم والعابد، ويجعل المقارنة بينهما القمر ليلة البدر وسائر الكواك
5 / 3