رؤية الصحابة للنبي ﷺ وتعاملهم معه
أولًا: أنهم قد رأوا رسول الله ﷺ بأعينهم، واجتمعوا به وتعاملوا معه وصلوا خلفه، واستمعوا لحديثه، وهذا أمر عظيم في حد ذاته، فالمؤمن منا بعد جيل رسول الله صلى الله وإلى جيلنا الآن، بل وإلى يوم القيامة إذا رأى رسول الله صلى الله في المنام اعتبر ذلك حدثًا عظيمًا، وهو بالفعل كذلك، والرسول ﷺ يهتم جدًا بهذا الحدث، ففي البخاري عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)، وأعظم من ذلك ما رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي)، وفي رواية: (فكأنما رآني في اليقظة)، وهذا أمر جميل جدًا، فما بالكم بمن كان يره بعينه وفي كل يوم وفي كل لحظة؟ وليس فقط في المنام بل في الحقيقة، وليس فقط ساعة أو ساعتين بل العمر كله.
وتخيل معي هذا الأمر: فلو أن إنسانًا وصف لك شخصًا آخر بأنه قد فعل فعلًا حميدًا في فلان، فإنك تحبه بمجرد ذلك الإخبار والوصف عنه، ويزرع في قلبك حب هذا الشخص، فماذا لو كان الفعل معك أنت شخصيًا؟! وأنا لا أقول لك: فلان عمل كذا وكذا مع فلان، بل أنت ذاتك مر عليك هذا الأمر، إذًا فكيف يكون حالك معه؟ فمثلًا: عندما تسمع أن النبي ﷺ كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فهذا أمر يزرع المحبة له في قلبك، فما بالك لو أنت ذاتك كنت الذي تأخذ منه، وأنت الذي كان يعطيك ﷺ بنفسه؟! واسمع إلى قول عبد الله بن الحارث ﵁ وأرضاه كما عند الترمذي: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله ﷺ.
فهذا الأمر عندما تعرفه تزرع محبته ﷺ في قلبك، فما بالك أيضًا لو أنك أنت الذي يبتسم الرسول ﷺ في وجهه، وأنت الذي ترى وجهه ﷺ وهو يبتسم إليك؟! وعندما أقول لك: إن الرسول ﵊ كان يعود المرضى ويشهد الجنائز، فما بالك لو كنت أنت المريض الذي يعودك ﷺ في بيتك؟! أو لك قريب مات فجاء صلى الله عليه سلم وشهد جنازة هذا القريب؟! فكيف تكون علاقتك مع رسول الله ﷺ؟ وكيف تكون درجة إيمانك به؟ وهذا غير النظر في وجه الرسول ﷺ، أما مجرد النظر إليه فله تأثير خاص جدًا، واسمعوا لكلام عبد الله بن سلام ﵁ وأرضاه عند الترمذي وقال: صحيح، قال: (فلما استثبت وجه رسول الله ﷺ عرفت أن وجهه هذا ليس بوجه كذاب)، يعني: مجرد رؤية وجه رسول الله ﷺ تترك في القلب أثرًا لا ينسى، وغير رؤية خاتم النبوة مثلًا، فكثير من الصحابة قد رأوا بأعينهم خاتم النبوة بين كتفيه ﷺ، ومنهم: سلمان الفارسي وعبد الله بن سرجس وعمرو بن أخطب وغيرهم كثير، فالذي رأى خاتم النبوة ترك في قلبه أثرًا لم يتركه من سمع فقط عن خاتم النبوة.
1 / 5