صناعة الإنسان في الإسلام
لكن تبقى معجزة القرآن الكبرى ومعجزة الإسلام العظمى هي: صناعة الإنسان، فشتان بين الرجل قبل إسلامه وبعد إسلامه، فبعد إسلامه كأنك جئت برجل جديد تمامًا، فاختفت الذلة واختفت السلبية، واختفت الأنانية والغلظة، واختفت حقارة الأهداف وتفاهة الطموح، واختفت كل هذه المظاهر المنكرة، وظهر خلق جديد اسمه الإنسان، لقد أصبح الإنسان إنسانًا بعد إسلامه، وقبل الإسلام كان مفتقدًا لأهم شيء يميزه كإنسان، كان يفتقد عقله، وانظر إلى وصف ربنا ﷾ لمن لم يؤمن، لمن لم يعرف كلمة التوحيد، لمن لم يوجه حياته كلها لله رب العالمين، يقول الله ﷿ في كتابه: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف:١٧٩]، فهو في الشكل الخارجي إنسان، له قلب مثل قلب الإنسان، لكن لا يؤدي الوظيفة التي خلق من أجلها: ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ﴾ [الأعراف:١٧٩]، بل لا يستحقون أن يكونوا أنعامًا: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف:١٧٩]، فكل إنسان لا يعرف ربه، ولا ينفع معه شرع ولا دين ولا إسلام، لا يستحق لقب إنسان مهما كان شكله طيِّبًا، أو لبسه حسنًا، أو أمواله كثيرة، أو سلطانه عظيمًا، ومهما كان يتحرك كالإنسان، ويأكل كالإنسان، ويتكلم كالإنسان، لكن فقد أغلى نعمة عند الإنسان، فقد الدليل على إنسانيته، فقد العقل الذي يختار به طريق الله ﷿: ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف:١٧٩]، فالإنسان قبل الالتزام بهذا الدين ميت موتًا حقيقيًا، وإن كان ظاهرًا يقوم ويقعد ويمشي ويتحرك ويأكل ويشرب، لكنه ميت القلب، ميت الإحساس، ميت المشاعر، ميت العقل، ميت الغاية، ميت الهدف، ليس له أي قيمة، وبعد الالتزام بالإسلام تدب فيه الحياة فجأة، فتتحرك كل ذرة في جسده، وكأنه ولد من جديد، وبعث من جديد، وصار يرى الحق بعد سنوات من الظلام، وانظر إلى كلام ربنا ﷿: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:١٢٢].
وتعالوا بنا لننظر كيف أن الإنسان يسلم؟ وكيف أن الواحد ينتقل من الكفر إلى الإيمان؟ وكيف أن الواحد ينتقل من اللاإنسانية إلى الإنسانية، ولنتأمل الطريقة الرائعة التي اختارها ربنا ﷿ لعباده إذا أرادوا أن يخرجوا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، فأول شيء يعمله الإنسان: الغسل، ليس من نجاسات الجسم الخارجية أو المتعلقات الظاهرة، بل من كل متعلقات الكفر والرذيلة.
الخطوة الثانية: أن يلبس ملابسًا طاهرة.
الخطوة الثالثة: أن يقول بلسانه وقلبه وجوارحه وكل ذرة في كيانه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وبهذا صار مسلمًا، وبهذا يكون قد ولد من جديد، وبهذا يكون قد بعث من جديد، وصار إنسانًا له إنسانيته.
الخطوة الرابعة: صل ركعتين، وقل فيها: يا رب أنا رجعت إليك بعد سنوات طويلة من الهروب، واقتربت منك يا رب بعد سنوات طويلة من البعد، وعندها أيضًا ستقرأ في هاتين الركعتين قرآنًا، وستقرأ أعظم نعمة التي تجعل من الإنسان إنسانًا، وبدونه لا يوجد إنسان، لذلك فإن الله يقدم نعمة القرآن على نعمة خلق الإنسان، قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن:١ - ٢]، ثم قال: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ﴾ [الرحمن:٣]، فالإنسان من غير قرآن ليس بإنسان، فهذه هي صناعة الإنسان في الإسلام.
وسأسألكم سؤالًا يحتاج إلى قليل من التفكير والتأمل، هل نحن أسلمنا؟! ولا تستغرب السؤال فكلنا لنا أسماء إسلامية، وكلنا ولدنا مسلمين، لكن يا ترى هل نحن أسلمنا إسلامًا حقيقيًا؟ ألسنا نريد أن نبتدي بداية كبداية الصحابي الذي اغتسل ولبس الثياب وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وصلى ركعتين، ثم بعد ذلك باع نفسه لله ﷿؟ وهل عرفنا معنى: إسلام؟ أليس إسلامًا لله رب العالمين؟ فتسلم نفسك له ﷿، فإذا أمرك بالإنفاق فأنفق، وإذا قال: جاهد فجاهد، وإذا قال: عاهد فعاهد، وإذا قال: أنا أريدك في المكان الفلاني لزمك أن تبقى في المكان الفلاني، وإذا قال: أنا لا أريدك في المكان الفلاني لزمك عدم الذهاب إليه، فهذا هو الإسلام الذي أمر الله به: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:٧١]، وقال: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:١١٢]، وهذا هو المسلم الذي أسلم إسلا
3 / 4