140

كن صحابيا

كن صحابيا

Genre-genre

تعظيم الذنب وإن صغر من السمات الأساسية لتوبة الصحابة رضوان الله عليهم السمة الثالثة: تعظيم الذنب وإن صغر، وهذا عكس ما يفعله كثير من الناس، فمعظم الناس تهون الذنب مهما عظم، لكن الصحابة كانوا يعظمون الذنب مهما صغر، وانظر لقول عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه في صحيح البخاري: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه -فالمؤمن يتخيل الذنب كالجبل الذي سيقع عليه، فكيف سيكون حاله! - وإن الفاجر يرى ذنوبه كالذباب مر على أنفه فعمل به هكذا، وأشار بيده فوق أنفه. يعني: أبعده وطيره بيده. وتأمل أيضًا قول أنس بن مالك ﵁ عند البخاري وكيف كان مفهومه عن الذنب: إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر -يعني: أنتم ترونها بسيطة جدًا- وإن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عيه وسلم من الموبقات، أي: من المهلكات، وهذا أمر مهول جدًا، ففرق واضح بين جيل الصحابة والجيل الذي لحق بهم كما يقول أنس بن مالك ﵁ وأرضاه، فهم كانوا يفرقون بين عظم الذنب وصغره بحسب قوة الإيمان، إذًا ما بالكم بالأجيال التي تلت؟! وكلام أنس بن مالك هذا كان للجيل الذي تلا جيل رسول الله ﷺ مباشرة، وعليه فلا وصول إلى ما وصل إليه هؤلاء إلا بالاهتمام بالتوبة من كل ذنب مهما صغر. وقال بلال بن سعد ﵀: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. وموقف آخر لـ أبي بكر الصديق ﵁ مع ربيعة بن كعب ﵁ عندما قال في حقه كلمة شعر أنه قد أغضبه بها، يعني: أن الصديق أغضب ربيعة بن كعب بكلمة بسيطة، فطلب منه الصديق أن يردها عليه، وانظر هنا: فقد كان الصديق الوزير الأول لرسول الله ﷺ وساعده الأيمن، بينما ربيعة بن كعب هو خادم رسول الله ﷺ، ففرق كبير وبون شاسع بين الاثنين، لكن الصديق شعر أنه قد عمل جريمة لدرجة أنه يطلب من خادم رسول الله ﷺ أن يرد عليه الكلمة التي قالها في حقه، فأبى عليه ربيعة، ورفض أن يسب أو يشتم، أو يقول كلمة فيها نوع من الخطأ، أو فيها نوع من التعدي على الصديق ﵁ وأرضاه، وهو المتربي في بيت النبوة، فذهب أبو بكر -تخيل- يشتكي ربيعة عند رسول الله ﷺ فأقر ربيعة على رفضه وقال له: (قل له: يغفر الله لك، يغفر الله لك يا أبا بكر)، فقال ربيعة: يغفر الله لك يا أبا بكر، فولى أبو بكر وهو يبكي، إحساس منه أنه لم يكفر الذنب الذي عمله، وحساسية مفرطة لأي ذنب مهما صغر. وروى مسلم عن عبد الله بن عباس ﵄ (أن رسول الله ﷺ رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه)، والذهب محرم على الرجال، ثم قال الرسول ﷺ: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)، ثم قيل للرجل بعدما ذهب رسول الله ﷺ: خذ خاتمك وانتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله ﷺ، فالذنب ليس بذنب كبير، وليس من الكبائر، والرجل لعله قد يكون جاهلًا بالحكم، وكان بإمكانه أن يأخذه ليبيعه أو يعطيه لزوجته أو يدخره لزمن، لكن إحساس الرجل بعظم الذنب جعله يزهد في الخاتم، وحجة الصحابة في هذا الإحساس المفرط لقضية الذنب: حديث رسول الله ﷺ الذي رواه الإمام أحمد ﵀ عن عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إياكم ومحقرات الذنوب) أي: الذنوب البسيطة التي يستحقرها الإنسان لصغرها في ظنه، ثم قال: (فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه).

12 / 12