رفعت كليوباترا الثالثة مكانتها الإلهية لمكانة أعلى من تلك التي كان مسموحا بها للملكات الأخريات من قبلها (أشتون 2003أ: 126، 138-142). تشير صيغ التأريخ المذكورة على أوراق البردي إلى أنها كانت تعتقد نفسها تجسيدا لإيزيس. تولت كذلك أدوارا كهنوتية، فنصبت نفسها كاهنا لعقيدة الإسكندر، وهو دور كان يؤديه عادة الحاكم الذكر. خصصت الملكة خمسة كهنة سكندريين من أصل تسعة لعقيدتها الشخصية (هولبل 2001: 280، 285). كذلك تعكس صورتها تعبيرا طموحا عن سلطتها الفردية؛ إذ تحتل مركز السيادة في المشاهد الموجودة على النقوش البارزة، وهي تقف أمام ابنها بطليموس التاسع، في مشهد لتقديم القرابين في معبد الكرنك (كواجبر 1988: 51، رقم 60) وفي بيت الولادة في دير المدينة (شكل
4-8 ). عبرت كذلك عن سلطتها من خلال المنحوتات، التي تظهر فيها بملامح ذات طابع ذكوري أكبر. تنطبق هذه الملحوظة على تماثيلها على الطراز الإغريقي والمصري (تحرير ووكر وهيجز 2001: 59-60). ومع ذلك، ليس من الواضح هل كان هذا مجرد محاكاة لملامح وجه شركائها الذكور في الحكم أم أنه كان تعبيرا عن سلطتها الشخصية وأحد أساليب تصويرها على نحو ذكوري مناسب أكثر (أشتون 2001أ: 44؛ 2003أ : 140-141). لا يبدو أن ملكات البطالمة شعرن بوجه عام بالاضطرار إلى الظهور بمظهر فرعون ذكر من أجل تعزيز سطلتهن؛ فقد كانت رفعة المكانة تتحقق من خلال تحويل الألقاب الذكورية إلى أنثوية، على سبيل المثال لقب «أنثى حورس»، الذي استخدمته برنيكي الثانية، وهي ملكة من الواضح أنها لم تتمتع بقوة سياسية أو دينية إلا عقب وفاتها (أشتون 2003أ: 79-81، 112-113). (2) كليوباترا السابعة في مصر
ظهرت عدة طرق لتأليه حكام البطالمة؛ في البداية كانوا يرتبطون بأحد الآلهة المعروفة، وكانت هذه أبسط الطرق لرفع المكانة الملكية. وكان هذا الإجراء الاحترازي ضروريا في العالم الإغريقي، حيث لم تكن فكرة وجود آلهة على قيد الحياة تحظى بقبول على نطاق واسع. وبالطبع كان الإسكندر الأكبر الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، رغم أنه من غير المعروف يقينا إن كان هذا الحاكم قد صور نفسه على أنه إله بين الإغريق في أثناء حياته أم لا (سميث 1988: 39، 40، 110). منذ عهد بطليموس الثاني حدث ترابط وثيق بين الحاكم الحالي ووالديه المتوفين من خلال إنشاء عبادة خاصة بهما بعد موتهما. تقبل الناس المكانة المقدسة للبطالمة وساد تبجيلهم في عقيدة ملكية كانت تشمل الزوجين الحاكمين وأسلافهما. بالمثل في حالة السيدات، كانت الحاكمة تمنح عقيدة خاصة بها، وكان هذا يحدث بعد الوفاة في القرن الثالث قبل الميلاد. ومع ذلك، بداية من حكم كليوباترا الأولى، أصبح الحكام يعترف بهم كآلهة وهم لا يزالون على قيد الحياة، ولم تكن هذه الحاكمة فحسب أول من يطلق عليها اسم كليوباترا، وإنما كانت أيضا أول سيدة من الأسرة الحاكمة تشغل بنجاح منصب الوصاية على العرش وتقدس على أنها أحد الآلهة في فترة حياتها (أشتون 2003أ: 129).
أدت كليوباترا السابعة بوصفها حاكمة مصرية دورها المقدس وكانت وسيطا بين الآلهة المصرية التقليدية والشعب. اشتملت هذه الوظيفة على عدد من المسئوليات المهمة وتطلبت إدارة جيدة للكهنة المصريين. ويبدو أن كليوباترا كانت تأخذ منصبها هذا على محمل الجد ومارست بحماس دورها كحاكمة وإلهة مقدسة في الوقت نفسه.
ظهرت الملكة في صورة شخصية مقدسة منذ بداية حكمها؛ ففي لوح يرجع إلى العام الأول من حكمها الفردي (بيانشي 1988: 188-189، رقم 78؛ تحرير ووكر وهيجز 2001: 156-157) تلقب ب «ثيا» ما يعني باليونانية الإلهة. أهدي هذا اللوح باسم كليوباترا وكتب عليه: «باسم الملكة كليوباترا، الإلهة، المحبة لأبيها، إلى مكان الارتباط (المقدس) بسنونياتياك (إيزيس)، التي يكون رئيسها هو الكاهن الرئيسي (ليسونيس) أونوفريس. السنة الأولى، 1 أبيب (2 يوليو، 51 قبل الميلاد)» (رولاندسون (تحرير) 1998: 37-38). كما أشرنا، انصب الاهتمام على الصورة الموجودة في أعلى هذا النقش البارز؛ وهي لفرعون ذكر يقدم القرابين إلى إيزيس وحورس. في السابق كانت سيدات الأسرة الحاكمة، مثل زوجات الإله آمون (انظر الفصل الثالث) يظهرن وهن يرتدين غطاء الرأس الملكي على شكل نسر. لا يبدو أن الأمر ينطبق طوال الوقت على كليوباترا السابعة؛ إذ تشير ألقابها إلى عدم وجود شك فيما يتعلق بمكانتها المقدسة؛ ومع ذلك تظهر الملكة في معظم تماثيلها وصورها في صورة حاكمة وليست إلهة. وسنتحدث عن استثناءات هذه القاعدة بمزيد من التفصيل فيما يلي. (3) ألقاب كليوباترا المقدسة
عبرت ألقاب كليوباترا الإغريقية عن مكانتها المقدسة؛ فقد كانت الألقاب الإغريقية أكثر مرونة من نظيرتها المصرية، رغم تمكن الكهنة المصريين من كتابة الألقاب الإغريقية مثل «المحبة لأبيها» بالحروف الهيروغليفية، تماما مثلما كتبوا اسم «قيصر» فيما بعد، فلا يبدو أنهم استخدموا لقب «إيزيس الجديدة» وفضلوا استخدام الألقاب المتعارف عليها بالفعل (الفصل الرابع). كذلك لم يكن من الضروري إطلاق لقب الإلهة على كليوباترا؛ فقد كانت مكانتها كحاكمة لمصر تشير إلى أنها كانت شخصية مقدسة وفقا للديانة المصرية التي صورتها على أنها أنثى حورس. كذلك كانت الآلهة التي ارتبطت بها أسماء كليوباترا طوال الوقت هي الآلهة التي ارتبطت بها أرسينوي الثانية من قبل. أتاحت لنا هذه العلاقات، بالإضافة إلى برنامجها في بناء المعابد، إدراكا عميقا نسبيا لانتماءات كليوباترا الدينية.
أشرنا من قبل إلى الألقاب المصرية التي اتخذتها كليوباترا عند حديثنا عن دورها كحاكمة. كان معظم هذه الألقاب يتعلق بدورها كحاكمة وسيدة بارزة في الأسرة الحاكمة، ومع ذلك يصفها أحد الألقاب بابنة جب (تروي 1986: أ1 / 7)، وهو لقب استخدمته أرسينوي الثانية، التي ارتدت تاجا على شكل الإله جب. تظهر كليوباترا السابعة مرتدية التاج نفسه على لوح موجود في متحف تورينو (أشتون 2001أ: 48)، وعلى نقش بارز واحد على الجدران الداخلية لمعبد حتحور في دندرة (شكل
4-14 ).
كما أشرنا، عند الحديث عن ألقاب كليوباترا الإغريقية كان يطلق عليها «ثيا نيوتيرا» (الإلهة الأحدث). وقد اتخذت الملكة لقبا أطول وهو «ثيا نيوتيرا فيلوباتور كيا فيلوباتريس» (الإلهة الأحدث، المحبة لأبيها وبلدها) في العام السابع عشر من حكمها (بينجن 2007: 76). ويعتقد أن استخدام لقب الإلهة الأحدث ارتبط بكليوباترا. (4) تماثيل كليوباترا المقدسة
استمرت عقيدة كليوباترا الشخصية حتى عام 373 ميلاديا، لما يقرب من 350 عاما بعد وفاتها، كما تشير العبارة المنقوشة بالديموطيقية التي تقول: «لقد غطيت تمثال كليوباترا بالذهب» (كواجبر 1988: 41). كان هذا التمثال الديني تمثالا خشبيا صغيرا وكان يعتبر إلها لا مجرد تجسيد للملكة. وكحال كثير من أسلافها كانت كليوباترا السابعة إلهة تشارك الآلهة الآخرين معابدهم. يوجد تمثالان خشبيان صغيران لشخصية دينية تحمل خرطوشة كتب عليها اسم كليوباترا باللغة الهيروغليفية (أشتون 2001أ: 65، 2. 3 و102-103، دليل الصور 41؛ بيانشي 2003: 16-17، الصور 2-3). التمثال الأول، الذي يوجد حاليا في متحف سياتل للفنون، هو تمثال مكتمل ملون يبلغ طوله 30 سنتيمترا في شكل سيدة جالسة ترتدي رداء مربوطا أسفل الصدر، يظهر حلمتي الثدي بطريقة غير مسبوقة. ترتدي الإلهة في هذا التمثال شعرا مستعارا وتاج حتحور/إيزيس في شكل قرص الشمس وقرني البقرة، وتوجد بقايا رأس الكوبرا على جبهته.
Halaman tidak diketahui