انتقلت الصورة التي اتخذتها تي بوصفها زوجة رئيسية، خاصة استخدامها رأسي أفعى بدلا من رأس واحد فقط، إلى خليفتها نفرتيتي. يمكن رؤية هذا في أحد تمثاليها الذي كان يحمل رأسين للكوبرا لكنه عدل ليصبح به رأس كوبرا واحد، على الأرجح بسبب مكانتها الجديدة كوالدة الملك لا زوجته (أرنولد 1996: 30-35). حتى في أثناء الجزء الأول من فترة حكمها الأولى، لا تظهر تي على أنها زوجة ملكية فحسب، وإنما إلهة أيضا. تظهر الملكة تي في كثير من تماثيلها التي ترجع إلى عهد أمنحوتب الثالث وهي ترتدي رأسي أفعى (تميزها) ويوجد نسر في الوسط (يشير إلى قدسيتها). تظهر نفرتيتي بالمثل في تماثيلها الأولى والنقوش البارزة في المعابد مرتدية رأسي أفعى (أشتون 2005أ: 1-2). يدعم كل رأس لأفعى الكوبرا أحد تاجي مصر العليا ومصر السفلى، ووجودهما يمثل الدولتين (أشتون 2005أ: 5). قيل أيضا إن رأس أفعى الكوبرا المزدوج كان يستخدم في الاحتفال بذكرى حدث معين في أثناء فترة حكم سيدات الأسرة الحاكمة. في حالة الملكة تي تمثل هذا في عيد «حب سد»، وهو عيد للتجديد، كان يحتفل به عادة بعد مرور 30 عاما على حكم الملك. لم يكن كل الملوك ينتظرون 30 عاما؛ فقد أقام أخناتون هذا العيد بعد مرور ثلاث سنوات على حكمه. على الرغم من ارتداء نفرتيتي لرأسي الأفعى في أوائل حكمها، فإن ظهورها على هذا النحو كان على فترات متقطعة إذا كنا سنقبل بالتأريخ الحالي للأمثلة (أشتون 2005أ: 6). لا يظهر رأسا أفعى الكوبرا الموجودان في النقوش البارزة وتماثيل نفرتيتي ليدعما تاجي مصر العليا والسفلى، وإنما يدعمان قرني البقرة وقرص الشمس. ويوجد هذا الشكل تحديدا أيضا على التماثيل التي يعود تاريخها إلى الأسرة الخامسة والعشرين، ويقال إن فكرة هذا الشكل ترتبط بالإلهة حتحور وارتباطها بنساء الأسرة الحاكمة (أشتون 2005أ: 6). وكما أشرنا من قبل، لعب كثير من هؤلاء النساء دور زوجة الإله، وكانت تحصل عادة على الألقاب المقدسة ابنة آمون أو ابنة رع أو ابنة جب. وتجدر الإشارة إلى أن حتحور نفسها لا ترتبط برأسي الكوبرا.
ما إن بدأ استخدام شكل رأسي الأفعى حتى تبنته الغالبية العظمى من نساء الأسرة الحاكمة. وكان الاستثناء لهذه القاعدة، كما أشرنا للتو، نفرتيتي، التي عادت إلى شكل رأس الأفعى الواحدة في مرحلة متقدمة في فترة حكمها. تزامنت عودة نفرتيتي إلى رأس الأفعى الواحدة مع ترقيها إلى الوسيط الذي يمكن عبادة آتون (قرص الشمس) من خلاله كجزء من التطورات الدينية التي حدثت خلال تلك الفترة القصيرة. في ذلك الوقت سيطرت عبادة آتون لكنها لم تكن العبادة الوحيدة. من الواضح أنه كان لكل من تي ونفرتيتي دور سياسي مهم داخل البلاط وكانت الأخيرة عنصرا مهما في عبادة الإله الجديد، حيث إن عبادة آتون كانت تتم من خلال أخناتون ونفرتيتي. وأشار بعض الباحثين إلى أن هؤلاء السيدات ذوات النفوذ كان لهن دور فعال فيما حدث من تطورات في حقبة العمارنة.
أشار مقال يرجع تاريخه إلى عام 2003 في تعميم مبسط إلى حد ما، قدمه باحث متخصص في التاريخ الكلاسيكي، إلى أن رأسي أفعى الكوبرا وقرني النماء والوفرة التي كانت ترتديها أرسينوي الثانية تعبر عن حكمها مع أخيها (مالر 2003). تتمثل مشكلة هذا الافتراض في أنه يفتقر إلى أدلة داعمة مقبولة؛ فتشير عودة ظهور رأسي الأفعى في عصر البطالمة إلى أن الكهنة كانوا يعلمون ويفهمون استخداماتها السابقة. ومن سوء الحظ أن المثال الذي استخدم من أجل تدعيم هذه النظرية؛ تمثالي أرسينوي الثانية وبطليموس الثاني الموجودان حاليا في متاحف الفاتيكان (أشتون 2001أ: 84 دليل الصور 6، و100 دليل الصور 36)، هما في الواقع جزء من مجموعة ثلاثية (أشتون 2007أ). وفي المقابل خلصت رسالة دكتوراه نشرت عام 2002 إلى أن هذين الرأسين يمكن ربطهما بلقب سيدة الدولتين، كما أشرنا سابقا (أشتون 2005أ، قدمت في 2001، ألبيرسماير 2002: 44-52). وبينما تفسر هذه الفرضية رأسي الكوبرا اللتين ترتدي كل منهما تاجا، وأيضا هؤلاء السيدات اللاتي ارتبطن بهذا اللقب؛ فإنها لا تفسر كل الأمثلة على هذه الظاهرة؛ فيبدو أن النساء اللاتي ارتدين أكثر من رأس كوبرا واحد هن اللاتي كن بحاجة إلى تمييز أنفسهن على نحو ما. وتعتبر هذه الفكرة منطقية نظرا لعدد الزوجات اللاتي كان يتخذهن ملك مصر، ويبدو أن الفكرة كانت تتمثل في استخدامها في أوقات مهمة في أثناء فترة حكمهن. واستنتاجي أن رأسي الأفعى كانا يستخدمان من أجل تحديد الزوجة الرئيسية أو ابنة الملك وتمييزها عن غيرها (أشتون 2005أ: 6-8)؛ فقد كانت أرسينوي الثانية بحاجة إلى تمييز نفسها عن أرسينوي الأولى؛ لذا لا بد أن رأسي الأفعى كانا هما الحل البديهي لدى مستشاري الأسرة الحاكمة. ويوجد احتمال كبير أن تكون هذه الفكرة قد استخدمت لخدمة أغراض مختلفة في أوقات مختلفة. وبالتأكيد لا توجد علاقة بين الألقاب واستخدامها.
شهد عصر البطالمة ظهور رءوس الأفعى الثلاثة لأول مرة في الصور الملكية المصرية. ويوجد جدل كبير حول معنى هذا وأيضا حول الأفراد الذين يمكن ربط هذه السمة بهم. في معرض كليوباترا الذي أقيم عام 2000 قيل إن رءوس الأفعى الثلاثة قد تعبر عن عدد من الظروف؛ الحكم الثلاثي، أو ألقاب ابنة الملك وأخت الملك والزوجة الملكية العظمية كما ظهر في تاج متحف بتري من مدينة قفط الذي ذكر من قبل (انظر الشكل
3-12 )، أو لقب ملكة الملوك (أشتون 2001ب: 148-155، وأشتون 2001أ: 40-43). يفضل بعض المتخصصين في التماثيل الملكية للبطالمة النظر إلى رءوس الأفعى الثلاثة على أنها امتداد لصورة أرسينوي الثانية (بيانشي 2003: 18-19)، بينما خلص آخرون إلى أن بعض التماثيل تمثل كليوباترا السابعة (ستانويك 2002: إي13-15، إف5)، لكنهم يفضلون إرجاع تاريخ بعض منها على نحو أكثر شمولا إلى القرن الأول قبل الميلاد (ستانويك 2002: إي11) وعصر كليوباترا الثالثة (ستانويك 2002: 37، 76، 80 أرقام إي 13-15، إف5 وإي11). يفضل باحث واحد فقط التاريخ التقليدي الذي يعود إلى القرن الثالث عند تأريخ بعض تماثيل المجموعة بينما يرجع تاريخ تمثال متحف اللوفر (شكل
4-4 ) إلى القرن الأول قبل الميلاد (ألبيرسماير 2002: 44-45). يعتبر التحليل القائم على الأسلوب الفني منطقيا أكثر من النظر إلى رءوس الأفعى الثلاثة على أنها تعبر عن الحكم الثلاثي لكليوباترا الثانية مع أخويها بطليموس السادس وبطليموس الثامن، أو مع ابنتها كليوباترا الثالثة وبطليموس الثامن (مالر 2003: 302). نظرا لما توفر لي من وقت الآن للنظر في ردود الفعل على معرض المتحف البريطاني الذي أشير فيه إلى أن رءوس الأفعى الثلاثة ترتبط فقط بكليوباترا السابعة، ونظرا لإجرائي المزيد من الأبحاث على استخدام رءوس الأفعى المتعددة في الصور الملكية (أشتون 2001أ، و2005أ)، ظللت مقتنعة بأن التماثيل ذات رءوس الأفعى الثلاثة يمكن ربطها بكليوباترا السابعة بناء على أسباب شكلية وأسلوبية في الوقت نفسه. ومع ذلك، فإن تحديد وفهم معنى هذا الرمز سيظل بلا شك موضع خلاف.
شكل 4-4: تمثال من الحجر الصابوني لكليوباترا السابعة. متحف اللوفر، باريس.
كان التاج المعتاد الذي ترتديه ملكات البطالمة يتكون من ريشتين مع قرص الشمس وقرني البقرة، تعبيرا عن سمات الإلهة حتحور لدى الملكة مثلما فعلت نساء الأسرة الحاكمة الأوليات (روبنز 1996: 24). كان بعض الملكات يرتدين تاجا عليه نسر من أجل الإشارة إلى قدسيتهن، خاصة الملكة تي، والزوجات الكوتشيات للإله آمون في فترة حياتهن، وأرسينوي الثانية في التماثيل الدينية التي صنعت لها بعد وفاتها. في النقوش الموجودة على الجدران تظهر أرسينوي الثانية وهي ترتدي غطاء للرأس عليه نسر أيضا عند استلامها لقرابين مقدسة. تظهر الملكات عادة وهن يقدمن قرابين لأحد الآلهة وعليه يرتدين رأس أفعى كوبرا ملكية واحدة على جبهتهن. (3) كليوباترا الحاكمة
تحدثنا في الفصل الثالث عن السنوات الأولى في حكم كليوباترا مع والدها ثم مع إخوتها، وسنتحدث في الجزء المتبقي من هذا الفصل عن تطور دورها كحاكمة لمصر عقب وفاة يوليوس قيصر عام 44 قبل الميلاد. وسنتحدث عن علاقة كليوباترا بمارك أنطونيو فيما بعد في الفصل السابع. على الرغم من أن والدي أطفالها كانا من الرومان، يقال إن الرومان لم يكن لهم أي مكان داخل التقليد الملكي المصري (مالر 1983). هذا لا يعني أنها لم تكن تشغل بالها بهذين الرجلين؛ فيشير معبد يوليوس قيصر المؤله في الإسكندرية إلى أن قيصر لعب دورا سياسيا وعاطفيا في تطور الجزء الثاني من فترة حكمها. وأشير أيضا مؤخرا إلى أن الملكة كانت تستهدف آلهة محددة من أجل مضاهاة وضعها غير التقليدي (راي 2003: 9-11).
ضمن لكليوباترا حكمها مع والدها مكانتها كحاكمة لمصر. وكان القرار الذي اتخذه بترك البلد تحت الحكم المشترك لابنته وابنه الأكبر قرارا ذكيا من الناحية السياسية؛ فإذا ترك الدولة تحت حكم كليوباترا وحدها كان رجال الحاشية على الأرجح سينتهزون الفرصة باسم بطليموس الثالث عشر ويستولون على حكم الدولة. وحتى مع ضمان حقها في حكم الدولة، نفيت كليوباترا عنوة عندما نفذ مؤيدو زوجها الصغير بالضبط ما كان يخشاه والدها. قدمت الحرب الأهلية التي تلت ذلك فرصة سانحة للرومان لمزيد من التدخل في شئون الدولة وضمان وجود دور رسمي لهم في إدارتها. وكما أشرنا من قبل، لم يكن لدى المصريين أية مشكلة في تولي امرأة الحكم عليهم، وقد تقبل أهالي الإسكندرية من قبل حكم ملكات البطالمة الأوليات، مثل كليوباترا الثانية، وفضلوهن على منافسيهن من الرجال (انظر الفصل الثالث). ورغم هذا، بدا أن الرومان هم الذين كانوا أكثر انزعاجا من فكرة وجود حاكمة للبلاد. (4) المقربون من كليوباترا ومستشاروها وكهنتها
Halaman tidak diketahui