فمن ههنا لا يرى الخبيث تلك الحسنات النسائية التي تترقرق من المرأة في كل شيء صافية جميلة كنور القمر.
ترى هذه المرأة أن كل حسن في أعمالها لا يكون إلا أحسن شيء، لأنها حسناء، ولكنها لا تقر أبدا أن كل قبيح في أعمالها ينبغي أن يكون أقبح شيء، ولماذا؟ لأنها حسناء أيضا!
هذه المرأة الجميلة قد ظنت عند نفسها أنها شيء مقدس؛ ولذلك لا تريد أن تعمل عملا كبقرة البراهمة، فيا ليت الرجل كان شيئا مقدسا أيضا، كعجل المصريين القدماء! ولكن البقرة المقدسة في المرأة لا تعرف العجل المقدس في الرجل!
يا هؤلاء، إنما الرجل مخلوق قوي، ولكن معظم قوته منصرف إلى حواسه، فمن ثم كان في يد المرأة ضعيفا؛ لأنها على ضعفها ينصرف ما فيها من القوة إلى عواطفها، فلا يلتقي الخصمان إلا كانت الهزيمة على الرجل، وقد كان لولا سفاه رأيه في منظر عن هذا ومستمع،
14
فما رأيت قط رجلا يهوى امرأة إلا اعتد سلطانه في أنه يشعر بسلطانها عليه، وكان رضاه في أنها راضية عنه، فهكذا هكذا.
جعل الرجل حاجته الكبرى في المرأة، وبالغ في توهم هذه الحاجة، وافتن في تصويرها ألوانا وضروبا؛ فجعلت المرأة حاجته إليها سبب كل حاجة لها، وبالغت في الطلب، واحتكمت فيما تطلب، وانصاع الرجل في يدها كالبهيمة السائمة، وجعله التمدن الفاسد في رأيها كآلة الساعة، علامة ضبطها وإتقانها «أن لا تقدم ولا تؤخر»! وإن تعجب فعجب أن هذا الرجل نفسه إذا هو كبحها مرة عن حاجة تطلبها، أرضاها بحاجة أخرى لم تطلبها؛ فكأن هذا المسكين إذا تعبد لها يأبى إلا أن يكون عبدا بشهود وأدلة. وتحسب المرأة اليوم أنها غير المرأة من قبل، وغير ما كانت حالها، كأنها رقى في التاريخ، فقد غيرت نفسها بالفنون والعلوم والأزياء، وبهذا التحكم الباطل وبهذه الدعوى الفارغة، وأنا أول المؤمنين أنها غيرت نفسها، ولكن هل غيرتها الطبيعة؟
15
أيها السادة، إن مع كلمة «هات » كلمة «خذ»، لولا كلتاهما لخربت الدنيا وتقاصرت الأمور والأحوال، وكل عمل وكل عامل يتركب منهما؛ فالدنيا كلمتان «هات، وخذ»، والحياة كلمتان «هات، وخذ»، والمرأة التي تصفونها كلمتان أيضا، ولكنهما «هات، وهات»!
قال «الشيخ علي»: ومر هذا الكونت في فلسفته يمضغها مضغ الماء، وربما أصاب شيئا، ولكن ماذا تنفع كلمة الحق يراد بها الباطل؟ وهذا رجل يتكلم كأنه ابن شجرة لا ابن امرأة! على أن من تعلق شيئا من أمور الحياة وكل إليه، وهو بعد لم يعرف غير المال يجمعه ويدخره، وقد خلقه الله رجلا ماليا، ويسره لما خلق له، وكثيرا ما رأى وجهه في المرآة؛ فكان يعجبه من منخريه أنهما في تفرطحهما «كحافري حصان الجنيه الإنجليزي»!
Halaman tidak diketahui