ومن نتائج هذين العدوين التأجيل، وعدم الدقة في مراعاة الوقت المحدود للعمل، وعدم المواظبة - فتأخر دقائق عن البدء المحدد معناه ضياع دقائق من وقت العمل، وذلك يؤدي إلى إحدى نتيجتين: إما الإسراع في العمل وعدم الدقة فيه ليعوض الزمن الفائت، وإما التعدي على أوقات خصصت لواجبات أخرى - ومن هذا النحو تأجيل العمل إلى وقت غير وقته، فالعمل المؤجل قلما يعمل، وإذا عمل فقلما يعمل بإتقان كما إذا كان في وقته.
وليس يتطلب الإنتفاع بالزمن أن نعمل باستمرار، وألا نترك وقتا للراحة، وإنما يتطلب أن نستعمل أوقات الراحة والفراغ استعمالا يجعلنا أقدر على العمل، فإذا صرفنا وقت الفراغ في كسل وخمول لم ننتفع به ولم يفدنا في العمل، وإذا نحن صرفناه في لعب مفيد أو في رياضة بدنية أفادنا ذلك في عملنا، وأنالنا من القوة ما نستطيع أن نخدم بها غرضنا، وكان هذا تدبيرا واقتصادا.
الزمن هو المادة الخام للإنسان، كالخشب الخام في يد النجار والحديد في يد الحداد، فكل يستطيع أن يصوغ منه حياة طيبة بجده، وحياة سيئة بإهماله، ولأجل أن نجعل لحياتنا قيمة يجب أن نقضي أوقاتنا فيما يتفق وأغراضنا.
ومما يعين على الإنتفاع بالزمن أن نعرف - بعد تحديد الغرض - هاتين المسألتين: (1)
كيف نبتدئ العمل. (2)
وكيف نستمر فيه حتى ننتهي منه.
لعل من أشق الأشياء معرفة الإنسان كيف يبتدئ عمله، وكثير من الزمن يذهب سدى في التفكير في ذلك - ترى الطالب يريد مذاكرة دروسه فيفكر بم يبدأ، فيرى أن يبدأ بالعلوم الرياضية مثلا، ويشرع في ذلك ثم يستصعبها فيشرع في غيرها وهكذا، فهو يصرف زمنا طويلا قبل أن يبدأ بجد - أضف إلى ذلك أن بدء الشيء صعب عادة لعدم المران، أو لأنه انتقال من راحة لذيذة إلى عمل يشق عمله.
وعلاج الأمر الأول - وهو بم يبدأ - أن يفكر - قبل العمل - في أولى الأشياء بالبدء، ويدرس وجوه الترجيح ثم يرتب ما يليه وهكذا، ثم يعزم عزما قويا لا يشوبه تردد، ولا يسمح لنفسه بتغيير ما عزم عليه مهما صادفه من الصعوبات، أما من يرى أن البدء صعب عليه ويرى نفسه منصرفة عن العمل فما يفيده في ذلك أن يقرأ فصلا من كتاب يشجعه على العمل، أو قطعة من الشعر تثير ميله إلى الجد وتعيد إليه نشاطه، أو يستحضر في ذهنه نتائج الكسل والجد، أو يتذكر أشخاصا جدوا فنبغوا في الحياة.
فإذا بدأ فقد قطع شوطا بعيدا للنجاح، بعد ذلك يجب أن يستمر، وإنما يستمر بالعزم القوي الثابت، ويشجعه على ذلك أن يكون العمل الذى يختاره في الحياة عملا يتفق ونفسه، أعني أن يكون عنده استعداد له وميل إليه، يشعر منه بفائدة ولذة، فأكثر أسباب الملل، يرجع إلى سوء اختيار العمل. (11-1) أوقات الفراغ
إن استعمال أوقات الفراغ استعمالا حسنا من أهم مسائل الحياة التي يجب العناية بها والتفكير فيها، فإن أكثر أعمارنا تذهب سدى لأنا لا نعرف كيف نستعمل أوقات الفراغ، يقضيها الأطفال في الحارات والشوارع بلا فائدة، ويقضيها الشبان والشيوخ على «القهوات» حيث لا هواء نقيا ولا منظرا حسنا ولا رياضة بدنية ولا فكرية - أوقات طويلة تذهب في كلام لا قيمة له، أو لعب لا يفيد، ولا يقصد منه إلا «قتل الوقت» - وأثر ذلك في أوقات العمل كبير، فمن لم يعرف كيف يلهو لم يعرف كيف يجد.
Halaman tidak diketahui