فاعتدل الرسول في جلسته كأنما يتوثب للنضال وقال بصوته الغليظ: منذ مائتي عام لا تنقطع رسل الشمال عن ارتياد الجنوب، وفي كل مرة تعود راضية.
فقال الملك: أرجو أن تدوم هذه السنة الجميلة.
فقال خيان: أيها الحاكم إني أحمل إليك ثلاث رغبات فرعونية: تتعلق الأولى بشخص مولاي فرعون، والثانية بربه المعبود ست، والثالثة بروابط المودة بين الشمال والجنوب.
فألقى إليه الملك بانتباهه وقد بدا على وجهه الاهتمام، فاستدرك الرجل قائلا: شكا مولاي الملك في الأيام الأخيرة آلاما مروعة تهز أعصابه في الليل، وأصواتا منكرة تصك أذنيه الكريمتين مما أوقعه فريسة للسهاد والضنى، وقد دعا إليه أطباءه وقص عليهم ما يلقى بليله فتفحصوه بعناية، ولكنهم عادوا جميعا من فحصه بالحيرة والجهل، وكان الملك في رأيهم جميعا سليما معافى، ولما يئس مولاي فرغ إلى نبي معبد ست، فأدرك الحكيم داءه، وقال له: إن مبعث آلامه جميعا أن خوار أفراس البحر الحبيسة بالجنوب يتسرب إلى قلبه، وأكد له ألا شفاء له إلا بقتلها.
وكان الرسول يعلم أن الأفراس الحبيسة في بركة طيبة مقدسة، فاختلس نظرة إلى وجه الحاكم ليبلو أثر كلامه، ولكنه وجده جامدا صلبا وإن تضرج بالاحمرار، وانتظر أن يعلق الرجل على كلامه، ولكنه لم ينبس بكلمة، وبدا عليه الإصغاء والانتظار، فقال الرسول: وفي أثناء مرض مولاي رأى فيما يرى النائم ربنا المعبود ست يزوره بجلاله ونورانيته، وعتب عليه قائلا: أيجوز أن يخلو الجنوب كله من معبد يذكر فيه اسمي؟ فأقسم مولاي أن يطلب إلى صديقه حاكم الجنوب أن يشيد في طيبة معبدا لست إلى جانب معبد آمون.
وسكت الرسول ولكن سيكننرع ثابر على الصمت، وبدا عليه هذه المرة أنه أخذ على غرة، وأنه فوجئ بما لم يدر له في خلد، ولم يكن خيان ليعنيه كدر الملك ولعله كان مدفوعا برغبة في إثارته، وأدرك الحاجب حور خطر المطالب، فانحنى على أذن مولاه وهمس قائلا: «الأفضل ألا يناقش مولاي الرسول الآن»، فهز الملك رأسه دلالة الموافقة وقد أدرك ما يرمي إليه حاجبه، وظن خيان أن الحاجب يفضي إلى مولاه بما يقوله فانتظر قليلا، ولكن الملك قال: أعندك بلاغ آخر تفضي به؟
فقال خيان: أيها الحاكم الجليل، لقد بلغ مولاي أنك تتوج رأسك بتاج مصر الأبيض، فراعه ذلك، ورأى أنه لا يتفق وما يربط الأسرة الفرعونية بأسرتك التليدة من أسباب المودة والصداقة التقليدية.
فقال سيكننرع بدهشة: ولكن التاج الأبيض غطاء الرأس لحكام الجنوب.
فقال الرسول بيقين وإصرار: بل كان تاج الملوك منهم، ولذلك لم يفكر والدك المجيد في لبسه، لأنه يعلم أنه لا يوجد سوى ملك واحد في هذا الوادي يحق له التتويج، وأرجو أيها الحاكم الجليل ألا يغيب عنك ما تدل عليه ملاحظة مولاي من رغبة صادقة في توثيق الأواصر الطيبة بين أسرتي منف وطيبة.
وسكت خيان، فساد الصمت مرة أخرى، وكان سيكننرع غارقا في تأملات حزينة ينوء صدره بمطالب ملك الرعاة القاسية التي تهاجم مواطن الإيمان من قلبه وموضع العزة من نفسه، وبدا أثر ذلك في امتقاعه وما ظهر من جمود على وجوه من حوله من رجال مملكته، وكان يقدر نصيحة حور فلم يرتجل جوابا وقال بصوت احتفظ بالرغم من كل شيء بهدوئه: أيها الرسول إن رسالتك تنطوي على خطب خطير يمس عقيدتنا وتقاليدنا، لذلك أرى أن أكاشفك برأيي فيها غدا.
Halaman tidak diketahui