وسكت الملك عن الكلام، فساد الصمت ولم ينبس أحد بكلمة حتى استأنف الملك قائلا: فإذا شاءت حكمة الرب أن يبوء جهادنا بخذلان فما ينبغي أن ينقطع جهادنا قط .. أصغوا إلي جميعا، إذا سقط سيكننرع فلا تيئسوا، فسيخلف كاموس أباه، وإذا سقط كاموس خلفه أحمس الصغير، وإذا فني جيشنا هذا فمصر ملأى بالرجال، وإن تساقط بطلمايس فلتحارب كبتوس، وإن تقتحم طيبة فلتثب أمبوس وسيين وبيجة، أو يقع الجنوب في أيدي الرعاة فهنالك النوبة لنا فيها رجال أشداء مخلصون، وستتولى توتيشيري الأبناء بما تولت به الآباء والأجداد، فلا أحذركم إلا من عدو واحد هو اليأس!
وكان لكلام الملك وقع شديد في نفوس الجميع حتى أحمس الصغير ونيفرتاري وجما وعلاهما الارتباك، وعجبا كيف يحدثهما جدهما بهذه اللهجة الجدية أول مرة، واغرورقت عينا الملكة أحوتبي بالدموع، فتكدر سيكننرع وقال بلهجة لم تخل من عتاب: أتبكين يا أحوتبي .. انظري إلى شجاعة أمنا توتيشيري.
ثم نظر إلى أحمس وكان يكلف به كلفا عظيما، وكان الغلام صورة صادقة من جده، فجذبه إليه وسأله مبتسما: من العدو الذي يجب أن نحذره يا أحمس؟
فقال الغلام وهو لا يفقه معنى ما يقول: اليأس.
فتضاحك الملك وقبله مرة أخرى: ثم قام واقفا وقال برقة: هلموا نتعانق!
ثم عانقهم جميعا مبتدئا بتوتيشيري وزوجه أحوتبي وستكيموس زوج ابنه، ثم أحمس ونيفرتاري: ثم انعطف نحو كاموس، وكان واقفا في جمود واستسلام، فمد له يده فشد عليها بقوة، ثم انحنى عليها فقبلها وقال بصوت خافت: فلتصحبك السلامة يا أبتاه !
ولوح لهم الملك بيده وبرح المكان بقدمين ثابتتين وقد تجلى على وجهه العزم والبأس. •••
وخرج الملك في رأس قوة من حرسه والتقى في ميدان القصر بجموع شعب طيبة المتحمس، فخال أهل طيبة جميعا رجالا ونساء وأطفالا قد انتقلوا إلى ميدان القصر يحيون مليكهم ويهتفون لمن خرج باغيا تحرير الوادي، وشق سيكننرع طريقه بين موجهم المتلاطم قاصدا باب طيبة الشمالي، وهناك وجد الكهنة والوزراء والحجاب والأعيان وكبار الموظفين في توديعه، فسجدوا لموكبه وهتفوا باسمه طويلا، وكان آخر صوت سمعه الملك صوت نوفر وهو يقول له: سأستقبلك يا مولاي بعد حين ورأسك مكلل بالغار .. اللهم استجب.
واجتاز الملك باب طيبة العظيم في طريقه إلى الشمال تاركا وراءه أسوار المدينة العظيمة، وكان عظيم التأثر لما رأى ولما سمع، وقد شعر بخطر العمل الكبير المقبل عليه، وكيف أنه ينطوي على إسعاد شعبه أو إشقائه إلى أمد طويل، لقد وضع مصير القوم في قبضة يده وواجه المخاطر المروعة التي وقف منها أبوه موقف المتمهل المتريث، ولم يكن سيكننرع من الحكام المترفين ولكن كان خلقه ينطوي على الصلابة والبسالة والتقشف والتدين، وكان عظيم الأمل قوي الثقة بقومه، وقد لحق جيشه بالمعسكر في بلدة شنهور شمال طيبة قبل المساء واستقبله القائد بيبي على رأس قواد الفرق، وكان مضعضع الحواس لما أصابه من إرهاق ووصب، ولم تغب حالته عن عيني الملك، فقال له: أراك متعبا أيها القائد.
فسر القائد بملاحظة مولاه وقال: استطعنا يا مولاي أن نجمع هنا حاميات هرمنسيس وهابو وطيبة، فكونت جيشا يربو عدده على عشرين ألف مقاتل.
Halaman tidak diketahui