وكان نبيل فواز رجلا في الخمسينيات من عمره، شديد العناية بمظهره وملبسه، وطبعا لم يكن حاصلا على شهادة تجاوز الابتدائية، وقد مارس السوق في السنوات الأولى من حياته وكان ذلك عن طريق التاجر الذي يبيع لهم الأسمدة في قريته النكارية بالشرقية. ولاحظ التاجر في الفتى الصغير نبيل ذكاء وتفتحا فضمه إليه، وحين تأكد نبيل أنه أصبح على علم بأسرار السوق وخوافيه تشجع أن يطلب من عمه عبسي الملط يد ابنته نبوية التي لم يكن يجرؤ على طلب يدها من قبل؛ فعمه صاحب ثلاثة أفدنة وفواز الملط أبو نبيل لا يملك إلا عشرة قراريط، وقبل عبسي طلب نبيل على حرف؛ فلم يكن مطمئنا إلى أن نبيل قادر أن يفتح بيتا، وكانت نبوية صبوحة الوجه يظلمها من يقول عنها جميلة، وكانت وحيدة أبويها عبسي وخيرية؛ ولذلك لم يكن غريبا أن يدخلها أبوها إلى المدرسة الإلزامية وتتعلم القراءة والكتابة العاجزة.
وقد كان نبيل شغوفا بها وكانت هي تدري ذلك، ولكنها أخذت من حب ابن عمها لها موقفا محايدا لا هو بالمقبل ولا هو بالرافض؛ ولهذا لم تكن فرحة نبوية غامرة حين أبلغها أبوها عن خطبة نبيل لها وقبلت في غير حماس ولا عزوف، وبعد أن تم الزواج راجت تجارة نبيل واتسعت حتى شملت الشرقية جميعها، وبفضل حذقه ومهارته تخطت جهوده الشرقية إلى محافظات أخرى كثيرة، فما هي إلا سنوات حتى أصبح أكبر تاجر في المواد التي يتاجر فيها، وبلغت أمواله الملايين، ولكن كل هذا لم يجعله يرضى عن زوجته فهو حين يقارن بينها وبين النساء اللواتي يحتم عليه عمله أن يلتقي بهن يجد الفرق شاسعا في كل شيء سواء في الجمال أو الحديث أو التصرفات، فإن يكن نبيل قد أفاد من علاقاته ثقافة في الكلام أو المعاملة فإن نبوية ظلت على حالها الذي كانت عليه يوم تركت بيت أبيها عبسي.
ولهذا لم يكن عجيبا أن يبهر نبيلا جمال فتنة في الدعوة التي دعاه إليها شهاب وخاصة حين عقد المقارنة بينها وبين زوجته؛ لهذا ظل نبيل في ذيل فتنة طوال العشاء ولو أنه لم يكن وحده الذي نهج هذا النهج، وكان شهاب سعيدا غاية السعادة بإعجاب هؤلاء الأساطين بزوجته؛ فلهذا تزوجها ولهذا نفسه أقام هذا الحفل الفاخر.
أما ثاني الثلاثة فهو صفوت بك رمزي ، وهو تاجر قديم من عائلة متوسطة الحال وزوجته من نفس المستوى، وهو حاصل على شهادة التجارة وعمل في اثنين من البنوك الكبرى في القاهرة، وتمرس بالأسهم والسندات وعمل بالتجارة التي يعمل بها نبيل وحقق أرباحا واسعة، وإن كان نبيل قارب الستين من عمره فإن صفوت لم يكن تجاوز الخمسين، وهو أيضا أعجب بفتنة غاية الإعجاب ولم يخف إعجابه بل أعلنه وصارح به زوجها الذي سعد بهذه المصارحة غاية السعادة، وإن لم يكن صفوت في مثل ثراء نبيل ولا هو يضاهيه في سطوته على السوق.
أما ثالث الثلاثة فهو أسامة البدري، وهو في الأربعين من عمره وشبابه أو قربه من الشباب يجعله أكثر نضارة من التاجرين الكبيرين وإن كان يجعله أيضا أقل ثراء، وهو أيضا لم يحاول أن يطوي في صدره إعجابه بفتنة مع أنه متزوج من ابنة عمه راوية منذ سبع سنوات فقط، وقد تحرى ألا يقدم على الزواج إلا بعد أن يضع قدمه في تمكن على طريق الثراء، وهو خريج حقوق ولكنه لم يشتغل بالمحاماة وإنما عمل مع فريد السعيد صديق والده، وهو رجل أعمال ضخم الثراء، وقد عمل معه أسامة في الشئون القانونية، ومن طوايا الملفات شرب التجارة فما هي إلا سنوات ثلاث حتى كان له ميدانه الخاص، وقد اختار تجارة الأسمدة والمبيدات الحشرية في الزراعة.
وكان شهاب قد تعرف على هؤلاء الثلاثة وغيرهم من خلال مكتبه في الوزارة، ولكنه انتقى هؤلاء الثلاثة ليوطد صلاته؛ فقد تعرف على ميولهم وما قد يثير اهتمامهم وما لا يثيره، واستطاع أن يعرف أن فتنة تستطيع بجمالها أن تكون ذات تأثير فادح على مشاعرهم، وهكذا دعاهم إلى العشاء، وما لبث بعد ما رآه من اهتمامهم الشديد بفتنة أن يدرك أنه كان صادق الحدس مع ثلاثتهم، أما فتنة فقد أدركت ما يهدف إليه زوجها فبذلت حفاوتها بهم ومدت بينها وبينهم الوشائج وإن كانت وهي تمدها تهدف إلى شيء آخر؛ فقد انتوت أن تقاسم زوجها في الأرباح التي سيجنيها من جمالها، وإن كانت قد حزمت أمرها على أن يكون ذلك بعد أن يحقق زوجها الثمار الواسعة من جمالها.
أما شهاب فلم يضع وقتا بل حادث ثلاثتهم في الأمور التي تمكنهم من ربح طائل هو شريك فيه لا شك بحكم منصبه وجمال زوجته الفاتن.
الفصل الرابع عشر
في عام وبعض عام أصبحت ثروة شهاب أصفارا تجاوز الستة، ولم يكن هذا خافيا على فتنة فهي أيضا أصبحت ذات مال غامر باشتراكها فيما يربحه زوجها من عمليات يشوبها كثير من الخروج على القانون، وانتهاب الربح من كل مظانه شريفة كانت أو غير شريفة، وكان زوجها يعطيها نصيبها وهو غاضب أشد الغضب ولم تكن تنال هذا النصيب إلا إذا هددت زوجها بامتناعها عن الذهاب إلى أصحاب الملايين، وكانت واثقة أن تهديدها سيجعله يلبي ما تريد دون أي نقاش ودون أي إنقاص مما تطلب، وفوجئ شهاب بزوجته تقول له: أريد أن أنتج فيلما سينمائيا أكون البطلة فيه، وصمت شهاب لحظات ثم وجد شيئا يقوله بعد فترة من السكوت: وهل أنت ممثلة؟ - أهذه هي الحجة التي وجدتها بعد هذا السكوت الطويل؟ - أليس في طلبك ما يدعو إلى الدهشة؟ - بل سؤالك أنت الذي يدعو إلى الدهشة. - ومع ذلك لم تجيبي عليه. - لأنه سؤال يدل على التمحك وليس له غرض آخر. - إذن فأنت ممثلة ولا أعلم! - أنت في دنيا غير الدنيا؛ أغلب الراقصات ينتجن أفلاما. - وهل تنجح هذه الأفلام أم هي مجرد خراب لا داعي له؟ - إذا لم تكن تنجح ما تكرر إنتاجهن لها. - وإذا كان التكرار مجرد مكابرة ورمي فلوس لم يتعبن فيها. - لا شك أن أفلامهن تنجح ولكنك تكابر، وأنت تعرف أنني راقصة لا أقل عنهن شهرة إن لم أكن أزيد. - المهم ماذا تريدين مني؟ - أن تنتج لي هذا الفيلم. - هذا لن يكون أبدا، هل يعقل أن أرمي في الهواء هذا المال الضخم الذي يتكلفه الفيلم بعد أن شقيت كل هذا الشقاء في جمع هذا المال؟ - لا تنس أنه لولاي ما جمعت هذا المال. - ولنفرض، مع أن هذا ليس صحيحا . - ليس صحيحا؟! إذن لن أذهب في المهمات التي ترسلني لها وسوف نرى ساعتها ماذا تستطيع أن تكسب. - نفس التهديد الذي تهددينني به ولكني في هذه المرة لن أستجيب. - أنت حر.
لم أعد في حاجة إليها، والذين أعمل معهم أصبحوا يحتاجون إلي أكثر مما أنا في حاجة إليهم، من بكرة سأقدم استقالتي من الوزارة وأنزل السوق ولا أصبح في حاجة إلى أسماء أختفي وراءها ولن أكون في حاجة أيضا إلى مساعي فتنة أو غيرها. •••
Halaman tidak diketahui