وأطرق نديم وصمت قليلا ثم قال: نعم فعلا. - طبعا ... فعلا. - فإذا كذبتك. - سأعرف. - وهذا أيضا صحيح. - إذن لماذا لم تصدقها. - لأن معنى هذه الإشاعة أنك أحببت إنسانا. - وماذا في ذاك؟ - لم أكن أظن أنك تستطيع أن تحب. - في هذه المرة أنت محق. - فلماذا تزوجت إذن؟ - كانت حلما وأردت أن أحققه. - وصحوت؟ - أنا مرغم أن أصحو. - وأنا ما شأني؟ - زوجتي حامل. - لا غرابة في هذا. - أريدك أن تكون أبا لهذا الطفل. - أنا! أنا! أهذا معقول؟ أنت سكران لا شك. - انظر إلى الكأس، لم أشرب منها إلا جرعة أو اثنتين. - فكيف تجرؤ؟ - كيف ماذا؟ - كيف ... كيف ... كيف تفكر أن ترغمني على زواج مثل هذا؟ - أرغمك بما لي عليك من حق الإرغام. - أيبلغ الأمر إلى هذا الحد؟ - الطريق الذي سرنا فيه لا نهاية له ولا أحد منا يعرف ماذا سيلاقي فيه، إنه طويل ومظلم ومبهم قد نسعد فيه أحيانا وقد نشقى أحيانا أخرى. - ولكنه دائما مخيف؛ مخيف وأنا سعيد به ومخيف بشكل أكثر وحشية وأنا شقي فيه، ولكني كنت أتوقع منه أي شيء إلا هذا. - إلا ماذا؟ - أن أكون ستارا. - أنت ستار لزواج شرعي. - ما لم يعلن فهو والزنا سواء. - ولكنك أنت تعرف وسترى عقد الزواج، ولكنك لست ملزما أن تنتظر شهور العدة. - وهل أعلق شهادة الزواج بينك وبين زوجتي في بيت الزوجية أم أخفيها؟ والطفل لماذا أنسبه إلي وهو من غير دمي؟ أي فرق بيني وبين متستر على صلة غير شرعية. - هذا مصيرك. - إني أرفضه. - أنت مضطرب وتواجه مفاجأة لم تكن تنتظرها، وقد تعرضت أنا منذ ساعات قليلة لمثل هذا فأصاب الشلل تفكيري. إنك ستتزوج زوجتي إسعاد، ولكن عليك الآن أن تعود إلى النوم أو القلق هذا شأنك، وإنما حتم عليك أن تفكر لأنه حتم عليك أن تفعل ما أريد. تصبح على خير. - انتظر. - وفيم أنتظر؟ - هذا الزواج لا يمكن أن يتم. - كيف؟ - لا يجوز زواج الحامل. - أعرف ذلك، ألم أقل إنك لست ملزما أن تنتظر العدة فأنا أعرف أن عدة الحامل نهايتها الوضع. - وإذا لم أتزوجها فورا فلا معنى للزواج. - متى كان الحرام مانعا لك؟ وهل السرقة والاختلاس والغش والتدليس حلال؟ - وهي كيف توافق؟ - لأنها مثلك لا تملك أن ترفض. - والابن؟ - فليحمل اسمك، فهو اسم أسرة شهيرة لا بأس بها. - أترمي بطفلك الى اسم رجل آخر؟ - لقد رمتني أمي ورميت أبي؛ صلة الأرحام عندي لا قيمة لها! من الغد تكون زوجا لإسعاد ... - ولكن كيف ستكون صلتي بها ؟ - هذا أمر تدبرانه أنتما لا شأن لي به، هذا شأنكما. تصبح على خير. - خير! النهاية ... مع السلامة.
16
الحق ... الحق
حين وصلتها ورقة الطلاق مع ساع من مكتبه لم تصدق عينيها إلا بعد أن قرأتها مرات ومرات، ورأت الشاهدين فأدركت لماذا أمر أن يخرج فهمي وحسنين من خدمتها، كانت الورقة عادية من أوراق مكتبه؛ فالزواج العرفي يتم الطلاق فيه بورقة عرفية؛ ورقة مثل كل الورق الملقى في الطريق ولكنها بالنسبة إليها دمار، وإن كانت تتوقعه منذ تم الزواج، وفي هذه المرة وقع على الورقة فهمي وحسنين أيضا، كيف عثر عليهما؟ إنها لا تعلم عنهما شيئا منذ أعطت كلا منهما مائة جنيه وصرفته من خدمتها والدهشة تأكل وجهه. نفس الدهشة ارتسمت على وجه كل منهما وكأنما كانا متفقين عليها. أين وجدهما وجعلهما شاهدي الطلاق كما كانا شاهدي الزواج، مضيقا بذلك دائرة العارفين إلى أقصى حد! إنها لا تعرف، ومن أين لها أن تعرف أي شيء مما يصنعه فرغلي؟ لم تكن تتصور أن زواجها به سيدوم فقد أدركت يوم طلب إليها أن يكون زواجهما سرا أن زواجها سينتهي بالطلاق، ولكن الأنثى قد تدرك أن الحريق حريق، ومع ذلك تندفع إليه في وعي وإصرار وعلم وخطى ثابتة مدركة، فإذا أحاطت بها النيران واشتعلت بفؤادها والتهمت مشاعرها وكيانها أصابها انهيار من فوجئ بالأمر لم يكن يدريه، لم تسأل نفسها لماذا؟ فإن كان لا بد من لماذا، فقد كان ينبغي لها أن ترددها يوم قبلت الزواج أن يكون سرا. إنها فنانة وليست في حاجة إلى مال ولا هي في حاجة إلى سلطان وهي لم تحب فرغلي ولم يجذبها إليه إلا بريق الجاه الذي أصبح يتمتع به، ولكن فيم كانت تريد هذا الجاه؟ وكيف كانت ستنعم به والزواج سر لا يعلمه أحد إلا أهل بيتها الثلاثة؟ وكلهم لم يكن محتاجا لهذه الورقة أو لهذا الزواج حتى يزداد احتراما لها. لماذا هذه كان مكانها في ذلك اليوم وليس الآن.
كانت فكرة انتهاء الزواج قد بدأت تضمحل وتتخافت في نفسها منذ حملت وحين أرغمها أن تحاول الإجهاض، وبلغ به إصراره أنه كان يستدعي الأطباء ليروا رأيهم، وهو من هو شهرة. عاودتها خيبة الأمل حتى إذا أجمع الأطباء أن إجهاضها معناه أن تموت ثبت لديها أو كاد أنه لن يستطيع أن يطلقها وهي تحمل طفله، فإن ما يخفيانه هما لا بد أن يذيعه ميلاد الطفل. كان آخر طبيب يستشيرانه يزورهما قبل أن تصلها ورقة الطلاق بأيام ثلاثة، وفي هذه الأيام الثلاثة كانت على شبه يقين أن الزواج سيدوم، ولكنه يقين المستنتج لا المتثبت، وحين جاءت الورقة اندك شبه اليقين ليسفر عن يقين كامل لا شك فيه ولا شبهة ... لقد طلقت.
والولد؟ والجنين؟! ••• - لقد اتفقت مع نديم. - من نديم؟ - ستعرفينه. - علام اتفقت؟ - أن يتزوجك. - اتفقت؟ - اتفقت. - وأنا ... أليس لي رأي؟ - إذا اتصل الأمر باسمي ومكانتي فلا رأي لأحد إلا لي. - أتتصور أن أوافق؟ - أنا لا أتصور؛ أنا واثق. - من أين جاءتك هذه الثقة؟ - أنا دائما أثق فيما أفعل. - الناس ليست حجارة؛ تستطيع أن تقول لا وتستطيع أن ترفض بل وتستطيع أن تنتحر إذا أرادت. - قد يستطيع الناس أن ينتحروا، وهذه نهاية تحل مشاكلي كلها معا! أما أن الناس تستطيع أن تقول لا فهذا غير صحيح. وأمامك الناس أترين أحدا يقول لا. - أنا فنانة. - طظ. - أستطيع أن أستغني عنكم، العالم العربي كله سيهتم بأمري. - وفيم اهتمامه؟ إن الفنانة أيضا تستطيع أن تموت، وليحزن عليك المعجبون ساعة أو بعض ساعة وليعرضوا أفلامك أسبوعين أو ثلاثة، ثم ينطبق عليك قانون البشر الذي لا بد له أن يموت.
احتقن وجهها بدماء غضب وقهر؛ كان التهديد واضحا، وكانت تعرف أنه يستطيع دائما أن ينفذه. وخافت؛ فهي مهما تكن فنانة وشهيرة وقادرة إلا أنها أيضا تخاف؛ لأن الناس عادة يخافون. - وابنك؟ - نديم سيصبح أبوه. - وكيف سأتزوج وأنا حامل؟ - ومن قال إنك حامل؟ - ألا تعرف؟ - وهل معرفتي تجعل هذا السر علنا؟ - والأطباء؟ - إنه سر مهنة ولو أفشاه أحدهم فهو يعرف مصيره. - وأم حسين وفهمي وحسنين؟ - لقد رأيت توقيعي فهمي وحسنين. - أنت تعرف مكانة أم حسين عندي؟ - هذا لا يهم، ولكن وجودهما معك سيجعلهما أكثر صمتا. - ألا تخشى أن يفشى فهمي أو ...؟ - دائما الذي يتعامل معي هو الذي يخشى، أنت تعرفين مكانتي التي جعلت إسعاد فريد تسعى إلى التعرف بي مدعية بناء عمارة وهي لا تملك ما يبني عشة، هذه المكانة تضاعفت عشرات المرات اليوم، فهل مثلي يذيع سره طباخ أو سفرجي؟ - ونديم؟ - ألا ترين أن الأسئلة أصبحت تافهة؟ - نعم أنت محق. - إذن؟ - لا شيء. - مؤخر الصداق؟ - لا أريده! - هذا حقك. - ماذا؟
وانفجرت ضاحكة في قهقهة عالية كلها بكاء يزلزل كيانها وهي تردد حق ... حق حق ... وتضحك وتتزلزل وتضحك.
ونظر إليها فرغلي مليا، ووضع المؤخر ألفي جنيه على منضدة، وتركها هي تواصل قهقهتها المزلزلة العالية النحيب، وهم بالانصراف، وفجأة صمتت كأنها آلة عالية الضجيج خربت فجأة، صاحت به: نسيت شيئا. - ماذا؟
كان قد بلغ الباب الخارجي فانتظر دون أن يلتفت وقالت هي: ورقة الزواج.
Halaman tidak diketahui