وقد كانت كل خشيته أن يتكرر هذا الأمر، وهو لا يريد أن تسوء سمعته عند رجال المرور؛ فإنهم يعرفونه، وما يعرفونه عنه يجعله نظيفا عندهم حسن السمعة.
خطر له خاطر: رفعت بك. - هيه، ماذا؟ - أليس عندك شخص آخر غير عتمان أبو سعيد؟ - وعتمان ماله؟ - رجال المرور لا يحبونه، وسيارتي أول مرة تقوم بهذه العملية. - ما هي العملية؟ - التي يقوم بها عتمان.
فضحك رفعت ملء شدقيه وهو يقول: البلد هذه لا يستخفي فيها شيء، وهو كذلك، سأعطيك في كل مرة شخصا جديدا. - أمري إلى الله.
وقام حفني بعملية نقل المخدرات عدة مرات، وهو لاقف الأنفاس، يملأ الرعب جانبيه، واثقا أنه لو امتنع فإن رفعت سيغتصب منه السيارة، وستقفل أمامه كل سبل الحياة.
كان أحيانا يذهب إلى القاهرة بريئا ويعود حاملا تهمته معه، وأحيانا يخرج من المركز وبلواه في السيارة.
وفي مرة أعقبت القبض على رجال رفعت فوجئ برجال المرور يوقفون سيارته، ويجرون بها تفتيشا دقيقا، ولحسن حظه كانت السيارة بريئة من المخدرات، وكان معه فيها توفيق عبد الباقي.
وقد تولى الرجلين ذعر من التفتيش رغم أنهما كانا يعلمان أن ليس بالسيارة ما يدعو إلى الخوف.
وانتهى التفتيش. وأكمل حفني طريقه إلى القاهرة، وظل صامتا طوال الطريق، وكلما حاول توفيق أن يحادثه أبى أن يرد عليه وكأنه غير موجود. وكان في صمته يقرأ ما حفظه من آيات القرآن يرددها لنفسه، محاولا بكل الجهد أن يستعيد بها إلى نفسه بعض الطمأنينة، حتى إذا بلغت السيارة مشارف القاهرة قال توفيق: نذهب إلى العنوان الذي معنا.
وانفجرت ثورة حفني: هل جننت؟ وحق كتاب الله المنزل لن يراني الله أحمل هذه المصائب مرة أخرى أبدا. - ورفعت بك؟ - أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. الموت أحسن من السجن. - وماذا أنت فاعل الآن ؟ - سترى.
وراح حفني يدور في شوارع القاهرة، وتوفيق لا يدري مصيره، حتى بلغت السيارة مقام السيدة نفيسة، ونزل حفني دون أن يدعو توفيق للنزول معه. ودخل إلى المسجد وتوضأ، وراح يصلي أمام المقام والدموع في عينيه حتى إذا بلغت نفسه بعض الهدنة قام إلى سيارته ولحق به توفيق. وذهب إلى سيدنا الحسين، وراح يصلي حتى إذا اكتفى قام إلى سيارته، ولحق به توفيق ذاهلا. وذهب إلى مقام السيدة زينب وراح يصلي أمام المقام والدموع ما تزال تتوالى من عينيه. وراح لونه يسترد بعضا من طبيعته، ثم قام إلى السيارة وركب هو وتوفيق، فلم يقف إلا عند رفعت. - رفعت بك. - خير. - أنت أخذت مني هذه السيارة بعقد لا حق لك فيه. أنا لا أريدها، ولن أعمل معك بعد اليوم أبدا. - هل جننت يا ولد؟ - أنا لن أناقش، هذا عهد قطعته بيني وبين الله، وأشهدت عليه سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة. ومفاتيح السيارة فيها، والسلام عليكم ورحمة الله.
Halaman tidak diketahui