Khulasat Tarikh Iraq
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genre-genre
كان سبب ابتداء دولة بني أمية أن الحسن بن علي بن أبي طالب خلع نفسه من الخلافة، وسلم أمرها إلى معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية سنة 41ه (661)، وسمي ذلك العام الذي وقع فيه الاتفاق «عام الجماعة»؛ لأن الأمة اجتمعت فيه بعد الفرقة على إمام واحد، فبعث معاوية نوابه في البلاد، واستقر له الملك وصفت له الخلافة. وفي أيام الأمويين نفذت كلمة العرب في ثلاث قارات، وهي: آسية، وأفريقية، وأوروبة؛ فقد ملكوا في آسية من قفار جبل الطور إلى فلوات ما وراء النهر، ومن وادي كشمير إلى منحدر الطورس على بحر الروم، ووضعوا أيديهم على أنحاء آسية الصغرى (الأناضول)، كقليقية، وكبدوكية، والبنطس، وسائر ديار مملكة الأكاسرة، بل ملكوا بسرعة ما عجزت عنه الأكاسرة الساسانية في مدة طويلة؛ إذ أوفدوا قوادا ففتحوا ما وراء نهري جيحون والسند، وبلاد بخارى والصغد، وجعلوهما كورة واحدة. ثم كورة ما وراء النهر، ودان لهم من كان على بحر جرجان من الأهالي، وهم سكان خوارزم، وملكوا في أوروبة بلاد الأندلس، ما عدا بعض مضايق في أستورية. واحتلوا سبتمانية (في جنوبي بلاد غالية؛ أي فرنسة)، وجزيرة قبرص، وجزائر ميورقة، ومنورقة، وأقريطش، ورودس، وملكوا في شمالي أفريقية جميع البلاد الممتدة من مضيق جبل طارق بن زياد إلى برزخ السويس، وكانت حاضرة الخلفاء الأمويين دمشق الشام، التي بنى فيها الوليد الأول مسجدا عد من عجائب المصنوعات ، وهدمه بعد ذلك عدو العرب الأزرق، تيمور لنك في سنة 700ه/1300م. (4) أعمال العباسيين
الخلفاء العباسيون جميعا من ولد العباس بن عبد المطلب، عم النبي العربي، وكان بنو العباس متحزبين لعلي بن أبي طالب في خلافته، فلما استأثر الأمويون بالحكم بعد قتل ابن أبي طالب أخذوا ينتهزون الفرص لنبذ طاعتهم والقيام مقامهم، ولم يجهروا برغائبهم؛ خشية بطش الأمويين بهم، إلى أن قام محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فأخذ يبث دعاته سرا، فنجح بعض النجاح، إلا أنه أدركته الوفاة سنة 126ه/744م، فعهد بنشر الدعوة إلى أبنائه: إبراهيم الإمام، وأبي العباس الذي لقب بعد ذلك بالسفاح لسفكه الدماء، وأبي جعفر، الملقب بالمنصور، فجاهر دعاة العباسيين بما تكنه صدورهم، وكان على رأسهم أبو مسلم الخراساني، ودعوا لإبراهيم الإمام، فلما سمع بذلك الخليفة الأموي استشاط غضبا وبعث من قبض عليه، فأخذ سنة 129ه/747م، وحبس حتى مات، لكن موت الإمام لم يفد بني أمية فائدة؛ إذ قام بعده أخوه أبو العباس السفاح، ودعا الناس إلى مبايعته، وأتى الكوفة. وكانت كلمة أبي مسلم الخراساني قد علت بالدعوة لبني العباس، فاجتمع للسفاح جيش لهام، فسار به لمحاربة مروان بن محمد الملقب بالحمار، قاتل أخيه، فكسره في جمادى الآخرة سنة 132ه (كانون الثاني سنة 750) على الزاب الأعظم، لكن مروان تمكن من الفرار من الزاب، حتى وصل قرية بوصير في ديار مصر، فنزل في كنيسة للقبط هناك، فلما علم بقدوم أعدائه عليه حاربهم، وقتل منهم ثلاثمائة رجل، ثم جرح جروحا بليغة، فحمل عليه رجل فقتله، ثم جاء آخر فاحتز رأسه - وكان من أهل البصرة - ثم بعث برأسه إلى دمشق، فنصب على باب مسجدها، وفي الآخر بعث به إلى السفاح؛ فخر ساجدا لله عند رؤيته إياه، وتصدق بعشرة آلاف دينار.
لكن وقع في قلب أبي العباس خوف ممن بقي من بني أمية لئلا يثاروا بدم المقتول؛ فصمم على استئصال شأفتهم. فلما كان بعض بني أمية مجتمعين في الحيرة في مجلسه، وبنو هاشم دون سريره على الكراسي، وبنو أمية على الوسائد، أمر الخراسانية بقتلهم، فأخذتهم بالكافر كوبات (بالهراوات أو الدبابيس) فأهمدوا، وكان أبو العباس في أثناء ذلك دعا بالغداء حين قتلوا، وأمر ببساط فبسط عليهم، وجلس فوقه يأكل وهم يضطربون تحته، فلما فرغ من الأكل قال: ما أعلمني أكلت أكلة قط أهنأ ولا أطيب لنفسي منها، فلما فرغ قال: جروا بأرجلهم ، فألقوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتا كما لعنوهم أحياء، فكانت الكلاب تجر بأرجلهم، وعليهم سراويلات الوشي حتى أنتنوا، ثم حفرت لهم بئر فألقوا فيها. هذا ما كان من أمر بعض منهم ممن كانوا في الحيرة، وأما البعض الآخر الذين كانوا في دمشق فإن الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم خليفة مروان قتل في اجتياح المدينة، وبعث يزيد بن معاوية وعبد الله بن عبد الجبار بن يزيد، إلى أبي العباس، فقتلهما وصلبهما، ثم دعى من بقي منهم على نهر أبي فطرس من فلسطين، وأظهر لهم عبد الله بن علي - قائد جند العباس - أنه يريد أن يفرض لهم العطاء، فلما اجتمعوا وهم نيف وثمانون أميرا، خرج عليهم من في الكمين فقتلوهم، ولم يفلت من هذه المجزرة سوى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، الذي جدد معالم الخلافة بالأندلس. ولم يشأ السفاح أن يقيم في ديار الشام مولده، بل اتخذ الأنبار (اليوم أم البر عند الأعراب، أو أم برا) مباءة لخلافته، حتى مات فيها بالجدري سنة 136 (754م)، وعمره ثلاث وثلاثون سنة. (4-1) المنصور
فخلفه أخوه المنصور، وكان عالما بليغا، وحازما جليلا، فلما أنعم نظره في من حوله، رأى في العراقيين جميعهم حزبا قويا يميلون إلى العلويين، ويودون أن تكون الخلافة لهم لا للعباسيين؛ فأخذ يخاف من أمرين: الأول من أن يغتال، والثاني من أن تنتقل الخلافة إلى آل البيت فتنحصر فيهم، فأخذ يضرب أخماسا لأسداس ليأمن على الأمرين معا، فبلوغا للأمر الأول أخذ يقصي عنه العرب ويقدم عليهم الموالي، والأتراك، والخراسانية؛ لأنهم كانوا دعاة هذه الدولة وأنصارها، الذين استعين بهم على بني أمية في ديار العجم وجرجان وما إليهما من البلاد، وقد وجد على العراقيين أشد مما وجد أخوه على بني أمية، حتى لو استطاع أن يقرضهم من هذه الديار لفعل، والعياذ بالله. وقرب أيضا منه النصارى لهذه الغاية عينها؛ لعلمه أنهم لا يستطيعون أن يؤذوه إذا ما أغدق عليهم الخيرات والمبرات، لا بل اتخذ كثيرا منهم ندماء له على غصص من قلوب الذين يميلون في تحقيرهم إلى رفض سلامهم وكلامهم. ومما فعله أيضا لقمع العراقيين أنه قلل أعطية الجند ليأمن عصيانهم واستغناءهم عنه، وأجرى فواضله على من لم يكن له غرض في السياسة ولا يعنى بأمرها، بل غايته العلم والأدب، وكان يقلم أيضا أظفار أمراء البلدان وعمالها بأن يتدارك عزلهم قبل أن ترسخ قدمهم في ولايتهم، ويستولي على ما يصل إليه من أموالهم، ويجعله في البيت الذي سماه «بيت مال المظالم»؛ قصدا لتحقيرهم وإعجازهم عن القيام عليه بفتنة أو مخالفة، لا حبا في جمع المال واذخاره كما توهمه بعضهم، ثم طمع في هذه السياسة إلى أن يأخذ التجار بالشدة، فوضع على حوانيتهم ضريبة كما يفعل اليوم الإفرنج في بلادهم، إلا أن بين عمله وعملهم فرقا في الغايات، وهذه الضريبة مما لم يسبق له عهد في الإسلام. وزد على ذلك أنه زاحمهم في إعطاء الدين بالربا؛ حتى يقطع عنهم باب الارتزاق والتعيش، مع علمه بأن التجارة من السلطان مفسدة للعمران ومدعاة الرعية إلى الخسران، وأن الله يمحق الربا ويربي الصدقات، غير أنه تجوز كل ذلك بلوغا لمآربه واستمالة للشعب الأدنى إليه، وهو السواد المهم، فرفع عنهم الخراج، ورقا على الحنطة والشعير، وصيره عليهم مقاسمة، فاستفاد بعمله هذا فائدتين: تقريب سواد الناس منه، واذخار أرزاق الجند وعلف الخيل عنده؛ حتى لا يطمع فيه طامع. ومما فعله من آخر أعماله لتأمين حياته وإقصاء المغالين عنه، نقل دار الخلافة إلى موضع جديد يحصنه كل التحصين؛ لأنه كان يخاف من أن أهل الكوفة يفسدون جنده، ويحملونهم على ممالأة أهل البيت؛ فجمع المنجمين ليعلم هل من خطر عليه بعد بناية بغداد. فلما أعلمه نوبخت إذا اختطها يسلم من شر العدو، أخذ بعمارتها وأركبها دجلة، ولما كان الخوف قد أخذ من قلبه كل مأخذ، حصنها بمائة وثلاثة وستين برجا أنزلها في سور متين بين الشوارع والطرق، بحيث يمكن إقفال الدروب في الليل وإقامة الحراس عليها. ثم إنه حول الأسواق إلى الكرخ في أعلى الزوراء؛ حتى لا يبقى بجواره من لا يأمن منه، وراح قومه يقولون إن رسول الروم أشار بذلك عليه، ففعل كل ذلك لكي لا يغتال.
وأما ما فعله ليتخلص من العلويين، فإنه بث العيون والأرصاد، ونصب لهم الشباك والحبائل ليقتلهم الواحد بعد الآخر؛ ففي السنة التي أسس فيها بغداد (145ه/762م) قتل محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وإبراهيم أخاه، وليس له في ذلك فخر؛ لأن ضعف العلويين كان ناشئا من تفرق كلمتهم، ومحاولة كل منهم الاستئثار بالخلافة، وتشتت دعاتهم على آراء لم تجمعهم غاية واحدة، وانقطاع بعضهم عن بعض منفردين إلى نفوسهم فيما يطلبون به من ثأر شهدائهم، وإلا لو اجتمعوا لما استطاع فتيلا، وهو لم يتجرأ على قتل هذين العلويين البريئين إلا من بعد أن قتل قبلهما يزيد بن عمر بن هبيرة، وعمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، ولا سيما أبا مسلم الخراساني محبهم ومؤيد طلبهم، وفي كل ذلك لم يطالبه أحد بدمهم.
فأنت ترى من هذا كله أن المنصور كان خليفة عضوضا، لا يراعي إلا ولا عهدا، وذا سياسة تشبه سياسة دهاة الإفرنج في هذا القرن، وبذلك حفظ نفسه وسرير خلافته من الدمار، وكانت وفاته في سنة 158ه/775م عن 63 عاما. (4-2) المهدي
ما مات المنصور إلا وتنفس العراقيون عامة والبغداديون خاصة الصعداء ترويحا لأنفسهم؛ لأنهم كانوا يكرهونه أشد الكره لما كان قد اتصف به من الخصال الذميمة، والأخلاق الجبروتية. وجلس ابنه المهدي على سرير الخلافة بحيلة من الربيع، وذلك أنه أوهم الناس عند موت المنصور بأنه حي لم يمت، فبايعوه على قلى من نفوسهم؛ إذ كانوا يرهبون ظلم أبي جعفر، ومع ذلك فإنهم كانوا يفضلونه على أبيه. وكان المهدي صاحب نسك وورع، ولبس الصوف، وعم الناس بأقصد العدل والمعروف، واستمالهم إليه، وحبب نفسه لهم، وكان يسمى «راهب بني العباس»؛ لدينه وتقاه، وهو الذي أمر بتتبع الزنادقة وإفنائهم ولو كانوا من أكابر الأدباء من الشعراء؛ فقد أمر بقتل صالح بن عبد القدوس، وبشار بن برد؛ وغيرهما . وهو أول الخلفاء في تقريب أهل العلم والدين المبنيين على صادق الفضل والفضيلة؛ فهو غارس هذين النبتتين في جنة الخلافة العباسية، وكان من سبقه ممن تربع على سرير الخلافة لا يلتفت إليهما، مع أنهما ركناه المكينان. وكان يتخذ لأهل العلم والأدب في كل سنة أياما كالمواسم، يعرضون فيها عليه بضاعتهم من فن أو علم أو صناعة، ثم يجيزهم عليها بما طبع عليه من واسع الفضل والكرم. ومما سبق به المهدي سائر الخلفاء والأمراء من بني العباس أنه أدخل الصيد في جملة ملاهيه، فجمع بذلك إلى رعاية الأمة أبهة الملك، فكان يخرج إلى صيده في العدد المزينة والمواكب العظيمة، وهذا لا يعاب على الملوك إلا متى أفرطوا فيه، وكانوا أقرب به إلى البطر منهم إلى النزهة والرياضة. ومن أعمال المهدي بنايته جامع الرصافة، والكعبة، وتأسيس عيسا باذ، وإقامته ديوان المظالم، وديوان الأزمة، وإزالة ضرائب الخراج ورده الضياع على أصحابها، وكان قد ظلمهم إياها أبو جعفر إلى غيرها، وبقي مثابرا على البر حتى موته، وكان ذلك في 12 المحرم من سنة 199ه/814م عن 43 سنة. (4-3) الهادي
وجلس بعده على سرير الخلافة ابنه الهادي، وكان المهدي قد خلع في حياته عيسى بن موسى عن ولاية العهد، مما دل على أن الاستئثار بالمنافع هو من طبع العباسيين، وأن نار الفتن في الإسلام متأججة من اختلاف الرأي في مبايعة الخليفة، وطمع كل طائفة من الطامحين إليها بالاستئثار بالمنافع دون غيرها. ولم يشتهر الهادي بشيء يذكر سوى أنه تتبع الزنادقة وقتل منهم عددا غير يسير، وكان يحب اللهو، ويكثر من مجالسة النساء؛ حتى قصف عمره من فرط تمتعه بهن وولعه بالطرب واللهو، ومات بعد خلافته بسنة وشهر وعمره 23 سنة، وذلك في سنة 170ه/786م. (4-4) هارون الرشيد وبغداد
وقام بعده أخوه هارون الرشيد، وهو الذي أبقي له الذكر المخلد في ديار العراق؛ لأنه إذا كان المنصور باني بغداد، فالرشيد رافع لواء مجدها، ومؤسس حضارتها الصادقة؛ فلقد شعر بذكائه الثاقب ودهائه النادر المثال أن المملكة لا تقوم إلا على أربع دعائم: العدل، والعلم ، والإحسان، والمال. فمد بساط العدل بأنه ساوى بين رعاياه وإن اختلفت مذاهبهم ومشاربهم وأديانهم، فإنه لم يذل النصارى؛ إذ اتخذ أطباءه منهم، ولم يحتقر الصابئة؛ إذ كان منهم تراجمته وكتابه، ولم يتعرض للمجوس بسوء، ولم يؤذ الهنود البوذيين؛ إذ كان هندي في قصره وكان من أكبر أطبائه، وعدل فيهم جميعا، وأخذ بالحلم في رعايته للناس كأنه يخالف أبا جعفر في سياسة التحزب لقوم على قوم، أو لقوم دون قوم، وكان يذهب متنكرا في الأسواق ليتسمع ما يقوله الناس عنه، وليصلح ما كان يراه في نفسه من الأود والاعوجاج. وأما العلم فإنه كان على جانب عظيم منه، بل كان من مميزاته، وكان مطلعا على دقائقه ومقربا لذويه، ولما ثبت لديه ما للبرامكة من شغفهم به، ووقوفهم على أنواع المعارف، وما يتذرعون به من الوسائل لبثها في البلاد وتعميمها بين العباد؛ قربهم منه أشد القربى، وبغداد لم تبلغ ذاك الشأو من الرقي البعيد والكمال الفريد إلا بالبرامكة، والدليل على ذلك أننا نرى هذه الحاضرة بعد أن نكب الرشيد أولئك الوزراء العظام أخذت تتدهور من أوج عزها، بدون أن تتريث في تدهورها،
1
Halaman tidak diketahui