ذكروا: إنَّ الملطاط وصي إلى ابنه شدد، فقال:
يا بني، لو أنَّ ملكا يستغنى بثاقب رأيه دون آراء الناس لفضل عقله، وكمال معرفته، وحسن رويته، وبارع أدبه وفطنته، وعلمه بما تقدم من التجارب لأسلافه، مع حفظه ورواه وأحاط به من سنن الأوائل من آبائه وسير الماضين من أجداده، لكنت من أغنى الملوك، عن مشاركة أهل الآراء، ومشاورة الأقوال، ووصية الموصين إلاّ أنه لا بد للملك ممن يعينه في الرأي والأمر والنهى، ولا بد له من مشير يحمل عنه مض ما يثقله من ذلك، ولا بد المولد من وصية الوالد، قلت الوصية أو كثرت. وأنشأ يقول:
جربت قبلك أسبابا علمت بها ... في الملك بيني وبين الناس يا شدد
فلم أجد عدة للملك تكلؤه ... مثل النوال إذا ما قل العدد
ولم أجد طاعة كالعدل إنَّ نزعت ... عن طاعة لمليك في الأنام يد
والناس كالوحش إنَّ داريتهم شرعوا ... وان دنيت لهم عافوا وما وردوا
متى أطاعتك سادات العشيرة لا ... يعصيك في الناس فأعلم بعدها أحد
داري الورى وذوى القربى وجدلهم ... بالفضل انك مطلوب بما تجد
وذكروا إنَّ شدد بن الملطاط امتثل ما عهد إليه أبوه، فسعد به من قاربه، وحظى به من لم ينأ عنه. ولم يكن له ولد غير ابنين: الحارث الرائش، ووتار، فأسند إليه الملك وأشهره به، وقال له:
1 / 55