إن الحياة حياة الفكر والعمل
وإذا كان رجل ضعيف الصوت مثلي يسأل السادة الأمراء والسادة الأغنياء العمل في الشيخوخة والقيام في آخر العمر بتتويج خدمتهم الوطنية، فذلك لأني أعتقد أن الكثير منهم قضى حياة شريفة، وخدم البلاد بصدق وإخلاص، فهي هي البلاد بنفسها تسأل خيرة رجالها على لسان أضعف أبنائها أن يبقوا مثلا طيبا للشبيبة والناشئين، وأن ينشروا في الأمة نور التربية ونور الحقيقة، وأن يبثوا فيها روح الوطنية وروح الرجاء.
نرى الكثيرين من الأغنياء يهتمون بأمر توظف أبنائهم، ولا يرون الشرف إلا في الوظائف، فمتى يسمعون أنين الوطن وشكايته من هذا الداء العضال داء السعي وراء الوظائف؟!
اتركوا الأبناء معشر الآباء في الحياة الحرة، اتركوهم يخدموا الوطن ويخدموا أنفسهم في غير دائرة الوظائف. اتركوهم أحرارا غير مقيدين بقيود الرواتب. ابعثوا بهم إلى الخارج؛ ليدرسوا التجارة والصناعة ويؤسسوا في البلاد المعامل والمصانع تزدادوا بذلك شرفا وفخرا، وتزدادوا أمام الله وأمام الوطن مثوبة وأجرا، وإلا فإن أهملت تربية الأمة وبقي الكبراء منعكفين في إدارة شئونهم الخاصة، واستمر الآباء يلقون بالأبناء إلى مهاوي التوظف في الوظائف، وبقيت التجارة والصناعة في كساد، ودامت الأمة في حاجة إلى استجلاب لوازمها الضرورية من غير بلادها؛ دام الانحطاط ودام التأخر ودام الخطر (انتهت باختصار). (19) سعد زغلول باشا
الخطبة التي ألقاها بالسرادق يوم 19 سبتمبر سنة 1923
لم أصعد للخطابة فيكم لأني لا أزال ضعيفا، ولا أقوى على الخطابة، ولكني صعدت إليه إطاعة لأمركم واضطرادا لخطتي التي التزمتها، وهي أني لست أميرا فيكم، ولكني خادم لمبادئكم وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزق مصر الاستقلال التام (تصفيق).
طلب مني بعض خطبائكم أن ألقي كلمة لتكون بردا وسلاما على قلوبكم، والكلمة التي جاشت في صدري عقب هذه الدعوة هي أن أرجوكم وأرجو كل مصري أن يحافظ على أمر واحد، هو فخار نهضتنا الحاضرة، ذلك الأمر هو الاتحاد المقدس (تصفيق).
لست خالق هذه النهضة كما قال بعض خطبائكم، لا أقول ذلك ولا أدعيه بل لا أتصوره، إنما نهضتكم قديمة تبتدئ من عهد مؤسس الأسرة المالكة محمد علي، وللحركة العرابية فضل عظيم فيها، وكذلك للسيد جمال الدين الأفغاني وأتباعه وتلاميذه أثر كبير، وللمرحوم مصطفى كامل باشا فضل عزيز فيها أيضا، وكذلك للمرحوم فريد بك.
كل هذا حق ويجب علينا أن لا نكتمه؛ لأنه لا يكتم الحق إلا الضعيف (تصفيق). ثم أتت هذه النهضة على أثر تلك النهضات وامتازت على سابقاتها بأن أوجدت هذا الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال (تصفيق). هذا الاتحاد الذي أرجو مصر جميعها أن لا تتهاون فيه فإنه فخار هذه النهضة وهو عمادها ... وهو الذي اضطرب له خصومنا إذ أسقط من أيديهم حجة كانوا يعتمدون عليها كما أردنا تحرير رقابنا من النير الذي وضعوه في أعناقنا.
يقول خصومنا إننا حماة الأقلية فيكم لأنكم قوم متعصبون، فلا بد من أن نبقى بينكم لنحفظ العدل فيكم! ... هذه الحجة سقطت باتحادكم، ولكنهم الآن انتهزوا فرصة الانتخاب ليثبتوا الانقسام فيكم، فاحذروا هذه الدسيسة، واعلموا أنه ليس هناك أقباط ومسلمون. ليس هناك إلا مصريون فقط، ومن يسمونهم أقباطا كانوا ولا يزالون أنصارا لهذه النهضة، وقد ضحوا كما ضحيتم، وعملوا كما عملتم، وبينهم أفاضل كثيرون يمكن الاعتماد عليهم، فاحثوا التراب في وجوه أولئك الدساسين الذين يفرقون بين مصريين ومصريين، إنه لا امتياز لواحد على آخر إلا بالإخلاص والكفاءة.
Halaman tidak diketahui