وقال نابليون: «أيها الجنود لا قوت لكم ولا كساء، الحكومة مدينة لكم بالكثير ولا تستطيع أن تعطيكم شيئا، وإن في صبركم وشجاعتكم لشرفا لكم، ولكن ليس من ورائهما ربح ولا مجد، سأقودكم إلى أخصب سهول العالم، ستجدون مدنا كبيرة وضياعا غنية، ستجدون الشرف والمال والمجد. أي جنود إيطاليا، أتعوزكم الشجاعة؟»
ومثل هذا قول روش جامكلين في حرب الفانداي: «أيها الجنود إن أنا تقدمت فاتبعوني، وإن أحجمت فاقتلوني، وإن مت فاثأروني.»
وفي كتب العرب كثير من أمثال هذه البلاغة سنعود إليه في مكان آخر.
الخطابة الدينية
لم يعرف هذا النوع من الخطابة عند الإفرنج إلا بعد ظهور النصرانية، وكان حامل لوائه آباء الكنيسة من اليونان، وهو يمتاز بصراحة القول والتهديد والاستشهاد بآي الكتب المقدسة، وبالتحليل الفلسفي مع البساطة في التعبير، وأساسه قائم على العلوم الدينية المبنية على الوحي، والعلوم البشرية التي تساعد الخطيب على الاستشهاد والتفسير ودعم الحجة، وكلما كان الواعظ متعمقا في الفلسفة والأدب والطبيعيات أمكنه أن ينال من قلوب السامعين وعقولهم بما يكتسب قوله من الجاذبية والرواء، وتلبس معانيه الصارمة من حلل اللفظ الرشيق، وتكسى من بهجة الشواهد المتنوعة والأمثال التي توقظ الخاطر وتقصي الملل وتساعد على الإقناع.
وسواء أكان الموضوع دينيا محضا أو تأويلا وشرحا للآيات المنزلة، أو ردا على أقوال الملحدين ودفاعا عن الدين فالغاية من الموعظة واحدة، وهي تثبيت الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهي من حيث الفائدة الدنيوية جزيلة النفع بما تجلب من التعزية للحزين، والشجاعة للجبان والقوة للضعيف، والأمل للبائس والصبر لمن خانه الصبر على شرط أن يكون الواعظ ممن خبروا النفس البشرية وامتلكوا ناصية البلاغة، وكان في كلامه مخلصا تقيا وفي تبشيره صادقا وفيا.
أما عند العرب فالخطابة الدينية عزيزة المذهب أيضا، جليلة الغاية، بعيدة المرمى، وقد أوجبها الشارع وسنها للمسلمين في مساجدهم كل جمعة وعيد، وفي الحج أي في عرفة، وأوجب على الحضور التزام الأدب مع الخطيب، بل علمهم حسن الإصغاء، وفي الحديث: «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت.» ولم يعين الشارع موضوعا خاصا للخطب الدينية، أو خطب الجوامع والمواسم بل جعلها مطلقة يتناول الخطيب الكلام من المناسبات الزمنية، ويورد للحضور من هدي الشارع ما يهذب به أرواحهم، ويهيب بهم إلى بارئهم، ويغرس فيهم مكارم الأخلاق وليطبعهم بطابع الفضائل، ويحذرهم البغي والظلم ويستل بلطيف أسلوبه سخائمهم وأحقادهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويزين لهم العمل الصالح، ويربأ بهم عن مهلكات الشهوات (عن القديم والجديد لكرد علي).
الخطابة القضائية
فيها من كل فن خبر؛ لأن المحامي يدعى إلى الخوض في كل موضوع، وعليه أن يلم بأطراف العلوم، ويكون واسع الاضطلاع موفور الحظ، ولا سيما في هذا العصر، فإن اتساع ميدان العمل أخرج المعيشة عن حالتها البسيطة، وولد في المعاملات الاجتماعية وعلائق الناس بعضهم مع بعض حقوقا جديدة، كما قال هنري روبير، وخلق مشاكل لم تكن موجودة أو معروفة، وجعل موقف القضاء أشد حرجا وأكثر غموضا.
Halaman tidak diketahui