لم أكن حتى هذا اليوم أقسم الناس إلى جنسين مختلفين رجال ونساء، كان العالم كله برجاله ونسائه جنسا، وكان أبي وأنا الجنس الآخر، كنت أظن أن أبي من جنسي، وأنه ليس رجلا وأنني لست امرأة، لكن جهلي لم يكن جهلا كاملا، كانت تتخلله أحيانا لمحات من المعرفة تومض لحظة ثم تنطفئ، ولم تكن هذه اللمحات تحدث وحدها، كان هناك دائما سبب، صحوت في منتصف الليل مرة أرتجف بعد حلم مزعج، فتركت حجرتي كعادتي وأنا طفلة وذهبت إلى حجرة أبي، كانت الملاءة قد سقطت عنه وهو نائم فأصبح عاريا تماما، لم تكن المرة الأولى التي أراه فيها عاريا، كنت ألمحه أحيانا وهو يغير ملابسه، فإذا ما رآني استدار بسرعة وارتدى سرواله، لكن عيني جمدتا هذه المرة فوق جسده كأنما أكتشف لأول مرة في حياتي أنه ذكر.
وبدت لي ذكورته غريبة جعلته في عيني رجلا غريبا لم أره من قبل، وحينما نظرت إلى جسدي انتابني إحساس أشد غرابة بنفسي كامرأة أو كجنس آخر غير جنس الرجل.
كان كل شيء يتكشف أمام عيني من خلال دخان كثيف مليء بالأشباح، وأصبحت أرتجف، وكنت على وشك أن ألقي بنفسي بين ذراعي أبي وهو نائم ليطمئنني ويهدهدني ككل مرة، لكنه أصبح سبب ذعري فانطلقت خارج حجرته أجري، ودسست نفسي في سريري تحت الأغطية، وفي الصباح بدا كل شيء كالحلم المزعج، نسيته كما كنت أنسى كل أحلامي.
لكنه لم يكن نسيانا كاملا، كانت تمر بي لحظات، فإذا بجسد أبي يتراءى لي عاريا، وأحيانا أرى نفسي عارية، كنت أكره منظر الجسد العاري، كان يفزعني ومن شدة الفزع كنت ألهث وأحس الهواء يدخل صدري ويخرج بسرعة وبحدة كالإبرة.
كنت أضع إصبعي فوق الإبرة حين تدورين بسماعتك فوق جسدي ، وحينما استقرت سماعتك على صدري وضغطت بيديك صرخت من الألم، لكنك لم تسمعي صوتي، كنت تنظرين إلي بعينين حجريتين، وتساءلت يومها أي نوع من البشر أنت، طبيبة هذا حق، ولكن ألست قبل كل شيء امرأة مثلي؟ ألا تكرهين مثلي قدم الرجل الصغيرة؟ ألا تكرهين حذاء الرجل المخطط مثلي؟
لا أظن أنك مثلي، لا أظن أن طبيبة مثلك لا ترى من الرجل إلا حجم قدمه ولون حذائه، لا بد أنك ترين في الرجل أشياء أخرى أكثر أهمية، ولكن هل هناك أشياء أخرى أكثر أهمية؟
خيل إلي أنني سألتك هذا السؤال لأنك أجبت علي، صحيح أنك لم تقولي شيئا، ولكني فهمت نظرتك، عيناك تلجئين دائما إليهما حين ترفضين الكلام، وخرجت من عندك أحملق في الرجال، لم أكن أتصور أن الرجال منتشرون فوق الأرض بهذه الأعداد، وكان علي أن أختار واحدا، ولم أكن أعرف طريقا للاختيار، الملامح كلها متشابهة، والأصوات متقاربة، والنظرات واحدة، والسراويل هي السراويل بساقيها المنفصلتين، وفي الجريدة لم يكن هناك إلا صاحب القدم الصغيرة والحذاء المخطط، كان يجلس إلى مكتبه ويضع ساقا على ساق، وبعد لحظات تهتز ساقه العليا وتتذبذب قدمه الصغيرة المخططة في الهواء، كان دائما يكتب لكنه في ذلك اليوم رفع رأسه من فوق الورق وناداني باسمي.
رن اسمي في أذني بوقع غريب، دولت، خيل إلي أن الحروف ليست هي الحروف، وأن الدال بالذات أصبح حرفا آخر أكثر فخامة، أكثر خشونة، خشونة لا تسمع بالأذن فحسب، ولكنها خشونة مادية يحسها الجلد فيقشعر وتبرز فيه منابت الشعر كالدمامل الصغيرة.
بل ليس هو الجلد وحده، إنه الجسد بكل ما فيه، بتلك النقطة المتمركزة فيه، حيث تتجمع كل أوتاره وحبال أعصابه، نقطة الوسط، أحسست بها تنتفض وتدور كالبلية الصغيرة في أسفل صدري، في المثلث الصغير تحت معدتي، مدفونة هناك في مكان سحيق من نفسي.
كان دورانها في أحشائي مؤلما، ليس ألما مدببا كنخس الإبرة ولكنه ألم مستدير لا يؤلم، يدور في حركة ضاغطة ويكاد يخنق لكنه لا يخنق، ويظل هكذا في البطن يدغدغ الأحشاء كدودة صغيرة.
Halaman tidak diketahui