نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
تقديم لقصة الخيط
بقلم الدكتورة لطيفة الزيات
سيجد القارئ لهذه القصة نفسه إزاء تجربة فنية جديدة: جريئة ومثيرة وغريبة، وقد يستغرب القارئ ما يقرأ، وقد يصل الاستغراب حد الاستنكار، ولكنه لن يكف عن القراءة حتى السطر الأخير، فالكاتبة تخلق عالما غريبا، عالم النفس الإنسانية المعقد، وتستدرجنا إليه بمهارة فنية فائقة، فلا نملك سوى أن نوغل فيه حتى النهاية، أيا كانت ردود أفعالنا إزاء هذا العالم الغريب.
وربما دعت جدة الأسلوب المستخدم في هذه القصة إلى بعض الإيضاح، فالكاتبة تستخدم هنا شكلا معينا وأسلوبا معينا لتصور لنا ما تريد تصويره، والقصة تبدأ بشخصية من الشخصيات التي تخلقها الكاتبة، وهذه الشخصية - وهي الطبيبة - تقوم بدور الراوية، ولا تلبث الطبيبة أو الراوية أن تنسحب بعد أن تعطينا الجانب العلمي البحت لحالة المريضة التي تعرض لها القصة، الجانب الذي يمس الظاهر ولا يتعمق إلى الباطن، الذي يشخص الألم ولا يتوصل إلى أعماق النفس الإنسانية أو أغوار اللاشعور.
وفي تناقض حاد مع هذا التعبير عن السطح أو عن المظهر الخارجي، تأتي رسالة المريضة لتكشف عن الجانب الآخر من الصورة، عن العالم الداخلي، العالم الخفي، الذي قد نعيش ونموت ونحن على جهل تام به.
وبانتهاء رسالة المريضة، التي تستوعب الجانب الأكبر من القصة، يتكامل لعالم الشخصية في القصة الوجهان، الخارجي والداخلي، والمستويان الواعي واللاواعي، وندرك نحن القراء ما لا تدركه الطبيبة هي المريضة، والمريضة هي الطبيبة، والفاصل بينهما هو الفاصل بين العالم الخارجي والعالم الداخلي، بين عالم الوعي واللاوعي، بين عالم الشعور واللاشعور، وكل تقف في تناقض مع الأخرى محتمية بعالمها عن العالم الآخر المكمل لعالمها.
والكاتبة تستخدم أسلوبا ينأى عن الواقعية، لتصوير العالم الداخلي أو مجرى الشعور لامرأة تصارع من أجل تحقيق التكامل النفسي، والصراع هنا، وإن جرى على مستوى الحلم، وفي انفصال كامل عن الواقع، صراع حاد ومرير؛ فالشخصية التي تخلقها الكاتبة تعاني مرضا نفسيا يسد عليها منابع الخلاص والحب، وبالتالي منابع الحياة، بل إن التوصل إلى الخلاص يقتضي من الشخصية العمر كله، فالقصة قصة امرأة تموت لحظة تكتمل عندها القدرة على أن تحيا.
Halaman tidak diketahui