وأقرأ: «بل إن الاتجاه العام الذي يسود عصرنا هو تحويل القرية إلى مدينة بالمعنى الحضاري، لا تحويل المدينة إلى قرية، فالأقرب إلى التصور في يومنا هو أن يتحول الفلاح إلى عامل زراعي، بل بكل ما تحمله كلمة عامل الآن من حقوق في الأجور والتأمينات والائتمان النقابي وغير ذلك».
وأذكر ما كتبه أستاذنا الدكتور في مفكرته الأخيرة، وأجده فلاحا مثلنا جميعا، وأتساءل هل هناك ما يمنع أن يتمتع الفلاح بكل هذا الذي ينشده له أستاذنا الدكتور ويظل مع ذلك على أخلاق القرية؟
أي تعارض هناك بين الحضارة وبين الأصالة في الأخلاق؟ تلك التي رسخت في نفوس الفلاحين منذ سنوات تتجاوز الآلاف عددا.
الدكتور زكي نجيب محمود من أعظم المصريين تحضرا، فهو من أعلم أساتذتنا، وأكثرهم ثقافة واطلاعا على الآداب العالمية والفلسفات القديمة والحديثة، ولكنني مع ذلك أزعم أن أخلاق القرية عامل أساسي في تصرفاته الخاصة والعامة على السواء، والدليل بين يدي غير بعيد، فقد ذكر كيف شعر بالحرج الشديد حين اضطر أن يذكر كل شيء عن نفسه، وعن تفاصيل ما يملك وكيف كان يسير في الطريق، يحس أنه تجرد مما يجب أن يستر به نفسه، تلك يا سيدي آثار القرية في نفسك، فنحن في القرية نحب أن تكون شئون منزلنا مقصورة على أهل منزلنا وعلينا.
أما ما يخشاه الدكتور عن الروابط الأسرية التي تجمع بين أبناء القرية، فلا شك أنه يعلم أن هذه الروابط تجعل للحياة متعة خاصة، وتمكن الإنسان أن يسير بين الناس آمنا، إن له في الحياة أحضانا دافئة من أهله وذويه وأصدقائه ومحبيه، وإلا فبئست حياة لا يحدونا فيها إلا المصلحة، ولا يدفئنا فيها إلا المادة.
أما ما يأخذه الدكتور من هناك على أهل القرية من أن عامل الزمن ملغي عندهم، فأنا أوافقه عليه، ولكن يا دكتور لعلك لا تنسى أن الزراعة عندنا ما زالت على ما كانت عليه عند قدماء المصريين، وصلة الفلاح بالزمن مرتبطة بصلة الزراعة بالحصاد، فالزمن جميعه ملغي ولا يحتاجون إلى الدقة فيه، ترى هل لو أصبحت الميكنة هي أساس الزراعة يظلون على ما هم عليه من إلغاء الدقة في الزمن؟ لا أظن، وإنني أطمئن الدكتور، وأحب أن أطمئن معه نفسي، على أن التطور الطبيعي للحياة سيلغي كل ما نأخذه على أخلاق أبناء بلدتنا، وسيبقي على كل ما هو أصيل.
من المسئول إذن؟
شاء الله لي أن أتخرج في مدرسة الحقوق، وكنا قد تعلمنا هنا مادة اسمها القانون الدستوري، ومن المبادئ الأولية التي ما زلت أذكرها، ولا أعتقد أنني سأنساها، أن السلطة التنفيذية مسئولة أمام السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية هي رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وكل وزير مسئول مباشرة أمام السلطة التشريعية التي هي اليوم مجلس الشعب، وكنا قد تعلمنا أن الوزير هو صاحب الرأي الأول والأخير في شئون وزارته، ولذلك يحرص الدستور أن يطلق على رئيس الوزراء لقب رئيس مجلس الوزراء؛ لأن رئيس الوزراء لا يرأس الوزراء في وزاراتهم وإنما يرأس المجلس حين يجمع، وذلك حتى تصبح مسئولية الوزير كاملة أمام السلطة التشريعية.
ولذلك، تولاني الذعر حين رأيت السيد وزير الأوقاف يعلن لمجلس الشعب أنه غير مسئول عما يجري في هيئة الأوقاف ، فمن إذن المسئول؟ وإلى أي وزارة تتبع هذه الهيئة؟ وهل هناك هيئات لا وزير لها؟ إن وجدت، فمعنى ذلك أن هذه الهيئات لا يسائلها أحد، لأن مجلس الشعب لا يسائل إلا الوزير الذي يفرض فيه أنه مسئول عن كل ما يجري في وزارته، كبيرا ما كبر، أو صغيرا ما صغر الموظف بهذه الوزارة.
إذن، فالأمر أخطر بكثير من مجرد تصرفات معيبة قام بها رئيس الهيئة، إن الأمر يتعلق بالنظام العام، هل هذا الموظف يتصرف في أموال الدولة، أم في أمواله الخاصة؟ فإن كانت الأولى فأمام أي جهة هو مسئول؟
Halaman tidak diketahui