Khawatir Tharwat Abaza

Tharwat Abaza d. 1423 AH
110

Khawatir Tharwat Abaza

خواطر ثروت أباظة

Genre-genre

في الأرض إلا على آثار بانينا

كأن أهرام حائط نهضت به

يد الدهر لا بنيان فانينا

فحين زلزل التاريخ زلزالا، وحين تسنمت حضارات أخرى قمم العالم ... بقي المصري ابن العروق الضاربة في أغوار الزمن ثابتا كالطود يمر به الظلم والجور والإفلاس فيخرج آهته في ضحكة ، ويضرب بأقدامه في أرض أجداده، ويبقى وينزل الظلم عن عنفوانه وينكسر الجور وتنقضي أزمان وتأتي أزمان ... وتبقى مصر.

واليوم نشكو من النور والماء ... ومن التليفون ومن المواصلات ... ومن الغلاء والفقر ... ويقولون لا تذكروا التاريخ وإنما انظروا إلى الحاضر ... هراء ... إننا بهذا التاريخ نعيش هذا الحاضر.

لو أن آلات النور ومواسير الماء هذه في بلد آخر ما عملت على الإطلاق، ولو أن شبكات التليفون ووسائل المواصلات هذه في دولة أخرى لصمتت التليفونات جميعا كأنها أحجار، ولألقي بهذه السيارات وزميلاتها من وسائل النقل إلى أقرب بحر تصل إليه أو تحمل إليه، ولو أن هذا الغلاء مع هذا الفقر في بلد آخر لانتحر الناس، لقد كنت في إيطاليا واشتريت قطعة الجاتوه بخمسة وسبعين قرشا، وقطعة الشوكولاتة التي تشتري مثلها هنا بعشرة قروش بخمسة وسبعين قرشا أيضا، ولكنهم هناك يصيبون من الدخل ما يمكنهم من شراء مثل هذه الأشياء بهذه الأثمان الباهظة، ومع ذلك فهم في أزمة طاحنة، وتقدم لهم أمريكا بلايين من الدولارات.

إن القائمين عندنا على النور والماء وعلى التليفونات والمواصلات عباقرة، يندر أن يكون لهم مثيل في العالم ... فما زلنا نغمز زرا فيضيء نورا، وما زلنا بعد الجهد نسمع صوتا في التليفون على الطرف الآخر ... ولكن هذه الآلات التي يمكنون بها لنا أن نرى في الليل ونخاطب الآخرين في التليفون، إنما هي آلات عفا عليها الزمان وأصبحت جزءا من التاريخ، إن أكرمها مكرم وشاء أن يكون ذا وفاء، فعليه أن يضعها في متحف من متاحف القرن الماضي.

إن هؤلاء العباقرة الذين يشرفون في مصر على الماء والنور والكهرباء يستحقون كل إجلال وتكريم، لقد انتهبت حربنا من أجل العرب أموالنا، قدمناها غارقة في دمائنا وفي آمال شبابنا، وفي ترمل الزوجات في نضرة شبابهن، وفي يتم الأطفال في بواكير أعمارهم ... وقدمنا معها هناءنا في بلادنا، لا تستقيم لنا وسائل الحياة الضرورية من ماء وكهرباء وتليفون ومواصلات، وبهذا الذي قدمنا ارتفع سعر البترول أضعافا مضاعفة، وغرق أبناء الرمال في الماس، وأبناء البترول اليوم في نعيم لم تسمع به البشرية، وما كانت تشتهي أن تسمع ... ومع كل هذا فمصر باقية، ولتصمت التليفونات فلا تتكلم، وليظلم النور فلا يضيء، وما بهم ونحن نضيء للعرب أجمعين عقولهم وطريقهم، ولينقطع ماء البيوت ... إننا نستطيع أن نعيش بلا تليفون وبنور قلوبنا وبماء نيلنا ... ونبقى.

إن مصر الحديثة التي أشعت النور إلى جميع البلاد العربية والتي ما زالت حتى اليوم وهي في محنتها تعلم أبناء العرب في كل أنحاء العالم العربي ستبقى، وستثبت ركائزها في أركان التاريخ، وسواء عندنا شعر العالم العربي بواجبه نحونا أو لم يشعر، ستبقى مع الخلود ستبقى.

خطابان مع البريد

Halaman tidak diketahui