في الناس ما بعث الإله رسولا
لو كان لفظك فيهم ما أنزل ال
فرقان والتوراة والإنجيلا
لو كان ما تعطيهم من قبل أن
تعطيهم لم يعرفوا التأميلا
لقد أغرقت أبا الطيب وجاوزت النطاق، وهذا شأنك دائما إذا رضيت. - وأغرق أيضا وأجاوز النطاق إذا سخطت. ظننت أني بلغت القمة عند بدر بن عمار هذا، وكان فتى عربيدا سكيرا ماجنا، ولكنه كان جوادا متلافا، فرضيت بحظي منه، وقنعت بجنته المحفوفة بالمكاره، ولكن حسادي تيقظوا حين نمت، وثاروا حين سكنت، وأفسدوا بيني وبين الأمير، فلم أجد وسيلة إلا أن أفر منه وأن أتخذ الليل مركبا، وأترك عنده آمالا لم تتفتح أزهارها، ولم تزغب أطيارها، وكانت هذه الخيبة الأولى، أما الخيبة الثانية، وهي التي لا أزال أقرع عليها السن، وأعض الأنامل، فهي خصومتي لسيف الدولة وإدلالي عليه أشرا وبطرا، وجفوتي لما كنت فيه من النعيم جنونا وخرقا، ومعاداتي لأهله وحاشيته تجبرا وكبرا، حتى ضاق بي وحق له أن يضيق، وتبرم بمقامي وأجدر به أن يتبرم، فنبت بي حلب وخرجت منها ليلا كما يخرج اللص المطارد. ولطالما نصح لي راويتي أبو الحسن بن سعيد بألا أترك سيف الدولة أو أبغى به بديلا من ملوك الأرض، وكأني أسمع الآن نبرات صوته في أذني، وهو يقول: «إنك الشاعر الذي بعث على رأس هذا القرن لينهض بالعرب، وليغني بمآثر العرب، وليعيد مجد دولة العرب، ولن أجد لك ميدانا بين دويلات الإسلام أوسع من حلب، ولا ملكا يساير رنين شعرك صليل سيوفه إلا سيف الدولة، إنه الملك الفذ الذي يقارع الروم، والحرب يا أبا الطيب لن تسير غازية فاتحة مظفرة إلا عن ألحان من الشعر الحماسي، الذي يلهب الوجدان، ويقذف الرعب من قلب الجبان». هكذا كان يقول ابن سعيد فما سمعت له ولا اكترثت بقوله. - حقا لقد بلغت ذروة مجدك الشعري عند سيف الدولة، وكنت والله جديرا بأن تقول:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
فسار به من لا يسير مشمرا
وغنى به من لا يغني مغردا
Halaman tidak diketahui