67

Khatarat Nafs

خطرات نفس

Genre-genre

ثم قلت في نفسي: إني أصبحت قادرا على أن أباعد بيني وبين كل شيء، وأن أترك كل عزيز، وأباين هذه الدنيا، لكني تذكرت أربطة ذهبية ثقيلة تربط رجلي، وتجعلني أحن إلى حياتي التي عليها وفي سبيلها ألين. •••

شعرت بضعفي الجسمي، وبالحرارة والاضطراب، وبالأفكار المحتبسة تضغط صدري، وكان الفجر على وشك أن يحين، وفي أفق السماء نجم متلألئ كأنه يشير إلى أن لا حرية في هذه الأرض، وكأني كنت أخاطبها قائلا متى يا كواكب السماء وأنت تبدين لأبصارنا منيرة، ولآمالنا رموزا لعوالم لا يشوبها الفساد، متى يا نجوم الليل تطلق نفوسنا السجينة من سجونها وقيودها ونعيش في عالم مرتفع حر شبيه بعالمك السماوي المنير؟

صورة من صور النفاق

القاهرة في 5 من ديسمبر سنة 1925

على شفتيه ابتسامة وأسارير وجهه مشدودة، ليبدو منها لون من ألوان الإشراق، ويلوح على محياه طلاء من البشر. لكن في قلبه سواد، وبين جنبيه عتمة وسحاب، وفي صدره إفراز من الخبث، ينفثه في حديثه كما تنفث الأفاعي سمومها في الماء النمير.

هو في ساحة الأمير يدعو للأمير بالنصر والتأييد، ويتشدق بمظاهر الحب والولاء، وهو في حضرة الوزير يقول: لقد انفرد مولاي بالإصلاح، ولم يتخذ لأعماله إلا مدارج الفلاح، فإذا هوى عن ساحة الأمير، وانحدر عن حضرة الوزير، أخذ يهجو مع الهاجين، وينتقد مع الناقدين.

قد تجده أحيانا يختلف إلى القهوات والمجالس ليختلط بمن لا يحب ولا يتفق وإياهم من الناس فيسايرهم، ويلاين في القول كأنه في اغتباط، وتحول أضواء ابتسامته البراقة بين فراسة محدثيه وبين أن يروا ما ظل في أعماق نفسه مستورا.

تلك هي صورة المنافق الذي يبدو في الحياة بلونين، ويتشبه بشبهين، ويبدو ظاهره مغايرا لباطنه.

يقطع المنافق في هذه الحياة ما شاء الله أن يقطعه من العمر، زاعما أنه عاش طوال هذه السنين حقا، وينسى أنه في وقت نفاقه حين يظهر النفس على غير حقيقتها وسجيتها، يحكم على نفسه بالإعدام؛ وذلك لأن شخصه الصحيح المطبوع قد يتوارى عن الوجود أثناء مظهر شخصه المعتل المصنوع، الذي يبكي بينما يريد الشخص الحقيقي أن يضحك، ويمدح بينما يريد الشخص الأصيل أن يقدح، ويضمر بينما يريد الشخص المطبوع أن يذيع ويظهر. •••

يحسب المسكين أن نواحي الحياة الاجتماعية، لا يلتئم وإياها إلا بعض المواقف التي يظهر فيها المرء على غير فطرته، وينسى أنه ومن على شاكلته هم الذين يهيئون في الحياة الاجتماعية تلك النواحي التي قد يفوز فيها المنافق، ويدحر فيها الصادق.

Halaman tidak diketahui