وا حسرتاه على تلك «المناظر» التي كان يغشاها أجدادنا وآباؤنا، فيصرفون فيها سمرهم، وينشرون في جوها أنسهم، ويفيض في جوانبها جودهم المطبوع ، وحسبهم المرفوع .
وا حسرتاه على تلك الدور ذات «الحيشان» والغرف الوسيعة، التي لا تضيق فيها الصدور، وينطلق فيها المحيى بالبشر والإيناس.
وا حسرتاه على كثير من المعالم الشرقية، يطغى عليها سيل الغرب الجارف فيغرقها، وكم فيها من جمال! •••
إن في مظاهر عيشنا ومدنيتنا الطيب الصالح، فلنستمد له من مدينة الغرب دون أن نضيعه، ولنعمل على ألا تستبد بنا المدنية الغربية في كل أمر، ولنعمل على أن تترفق بنا «يمين رولان» العاتية.
القهوة والبيت
القاهرة في 10 من نوفمبر سنة 1922
نبهني صديق إلى قهوة في إحدى الطرق التي يكثر فيها غدوي ورواحي. لم تبلغ تلك القهوة من العمر إلا أياما. عليها نضرة الشباب، وعليها بهجة الجديد، وهي مغمورة في لجج من الأنوار، ويغشاها الناس فيعمرونها كما يعمر الجامعات طلاب العلم المخلصون.
تواجه القهوة حارة هادئة تجد في أقصاها مساكن لم يرفع الغنى أهليها إلى طبقات الدور الشامخة، ولم ينزل بهم الفقر إلى تلك الموائل التي تجثو إلى الأرض، فتكاد تغور فيها غورا.
وقفت ذات ليلة في الطريق البرزخ الموصلة بين القهوة والحارة، بحيث أشعر بالسكون الشامل لتلك المنازل، وأشهد عن بعد من القهوة لآلئ الأضواء، وما يجري فيها من مظاهر الحركة والمرج.
وكأن الحركة والأضواء التي كانت تفلت إلي من تلك القهوة العمرة كلمات فيها معنى اللوم، والازدراء، والعتب، والتشفي، والمفاخرة. كأن القهوة في هرجها وأفراحها تناجي البيوت في سكونها وأساها، وكأن البيوت كانت تتوجع من ذلك الحديث وتئن.
Halaman tidak diketahui