أغرب مأخذًا مما تقتضيه صناعة الاشتقاق؛ لأن ذلك إنما يلتزم فيه شرْج١ واحد من تتالي الحروف، من غير تقليب لها ولا تحريف. وقد كان الناس: أبو بكر ﵀ وغيره من تلك الطبقة، استسرفوا٢ أبا إسحاق ﵀، فيما تجشمه من قوة حشده، وضمه شعاع ما انتشر من المثل المتباينة إلى أصله. فأما أن يتكلف تقليب الأصل ووضع كل واحد من أحنائه٣ موضع صاحبه فشيء لم يعرض له ولا تضمن عهدته. وقد قال أبو بكر: "من عرف أنس ومن جهل استوحش " وإذا قام الشاهد والدليل وضح المنهج والسبيل.
وبعد فقد ترى ما قدمنا في هذا أنفًا٤ وفيه كاف من غيره؛ علي أن هذا وإن لم يطرد وينقد في كل أصل، فالعذر على كل حال فيه أبين منه في الأصل الواحد من غير تقليب لشيء من حروفه فإذا جاز أن يخرج بعض الأصل الواحد من أن تنظمه قضية الاشتقاق له كان فيما تقلبت أصوله: فاؤه وعينه ولامه أسهل والمعذرة فيه أوضح.
وعلى أنك إن أنعمت النظر ولاطفته وتركت الضجر وتحاميته، لم تكد تعدم قرب بعض من بعض وإذا تأملت ذاك وجدته بإذن الله.
_________
١ الشرح: الضرب، يقال، هما شرج واحد وعلى شرج واحد أي ضرب واحد. وفي المطبوعة والأصول: "شرح" ولا معنى له هنا.
٢ أي عدوه مسرفا، وهو كذلك بالسين في أ. وفي المطبوعة: "استشرفوا" ولا معنى له. وانظر في استشراف النحويين للزجاج في طرده الاشتقاق ترجمته في معجم الأدباء ١٤٤/ ١ طبعة الحلبي.
٣ أحناء الأمور: أطرافها ونواحيها، واحدها حنو كعلم، وأحناء الأصل اللغوي: تصاريفه، فإن كل تصريف طرف له وناحية منه وأظهر من هذا أن أحناء الأصل اللغوي حروفه.
٤ أنفا كعنق أي لم يسبق به، من قولهم: روضة أنف: لم ترع، وقد ضبط في المطبوعة وبعض الأصول: "آنفا"، وهذا غير مناسب.
1 / 13