Peta Pengetahuan
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genre-genre
13
كان هذا هو العالم الذي وجد الباحث المجهول، الذي التقيناه سابقا، نفسه فيه. بعد أن حصل أخيرا على كتاب «المجسطي»، الذي من المحتمل أن يكون قد حصل عليه بعد إقناعه لهنريكوس أريستبوس بأن يعطيه إياه، سرعان ما أدرك أنه لم يكن يمتلك المعرفة الفلكية اللازمة، ولا الإلمام اللازم باللغة اليونانية، للبدء في العمل. فانغمس في دراسة كتب إقليدس «المعطيات»، و«تحرير المناظر»، و«المرايا»، إلى جانب كتاب برقلس «عن الحركة».
6
في تلك المرحلة، حالفه بعض الحظ؛ إذ التقى بفرد آخر من النخبة، هو يوجينوس، الذي كان بيزنطيا واسع المعرفة يتحدث اليونانية، وكان يعرف العربية واللاتينية أيضا. وباعتباره عضوا بارزا في البلاط الملكي، كانت مسئوليات يوجينوس واسعة النطاق، واشتملت هذه المسئوليات على إصدار التصريحات، والإشراف على الحسابات، ووضع الحدود. أثناء حياته العملية الطويلة، خدم العديد من الملوك الصقليين، وفي عام 1190، رقاه الملك تانكريد إلى رتبة أمير أو أميرال. كذلك تمكن يوجينوس من الاندماج في قدر كبير من الأنشطة البحثية على هامش مسئولياته الرسمية، فترجم كتاب بطليموس «البصريات» من العربية إلى اللاتينية، ونصين شرقيين من اليونانية إلى اللاتينية. وبمساعدة يوجينوس، تمكن الباحث من ترجمة كتاب «المجسطي»، ويعتقد أنهما أنهيا العمل في المخطوطة في منتصف الستينيات من القرن الثاني عشر، وهو ما يسبق زمن نسخة جيرارد الكريموني بسنوات عدة. كان حدثا بالغ الأهمية في تاريخ العلم؛ إذ كانت المرة الأولى التي يمكن فيها قراءة عمل بطليموس العظيم كاملا باللغة اللاتينية، ولكن رغم ريادتها، لم تكن الترجمة الصقلية تقترب حتى من تأثير ترجمة جيرارد. ولم يبق إلا أربع نسخ من هذه الترجمة، وواحدة فقط منها كاملة.
كتب المترجم المجهول لكتاب «المجسطي» تمهيدا مفصلا في بداية العمل، وهو مصدرنا الوحيد للمعلومات عنه وكيف انتهى به الأمر إلى ترجمة هذا الكتاب. الأمر المحبط أنه لا يطلعنا على هويته، ولا موطنه، ولكن الأمر شبه المؤكد أن جنوب إيطاليا لم يكن موطنه الأصلي. بل نعرف معلومات أقل حتى من ذلك عن ترجمة من اليونانية لأطروحة إقليدس «العناصر»، أنجزت في صقلية في الفترة نفسها تقريبا، ولكن من المحتمل أن يكون من ترجم الأطروحة هو الرجل نفسه؛ إذ يوجد كثير من أوجه التشابه في أسلوب الترجمة والمفردات. وحيث إنه، كما نعرف، كان يتعين على أي أحد يدرس كتاب «المجسطي» أن يقرأ أطروحة «العناصر» أولا، فمن المنطقي أن يكون هذا المترجم قد بدأ بأطروحة «العناصر» أو كان قد عمل بالفعل على ترجمته.
وبناء عليه، فإنه لا بد أنه كان يوجد نسخة مخطوطة باللغة اليونانية من أطروحة «العناصر» في صقلية في منتصف القرن الحادي عشر، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى طرح السؤال الآتي: من أين جاءت هذه المخطوطة؟ المصدر الأرجح هو القسطنطينية. نعرف أن هنريكوس أريستبوس كان قد أعطي نسخة من كتاب «المجسطي» هناك، ومن المنطقي أن نقترح أن البيزنطيين قد أعطوه أيضا نسخة من أطروحة «العناصر». إضافة إلى ذلك، تتشابه النسخ الباقية من الترجمة الصقلية باللاتينية مع نسخة أريثاس اليونانية التي صنعت في القسطنطينية، والموجودة الآن في مكتبة بودلي في أكسفورد. وقد حدا هذا ببعض الباحثين إلى الإشارة إلى أن هنريكوس أريستبوس حصل على هذا الكتاب نفسه وأخذه معه إلى صقلية، حيث ترجم إلى اللاتينية ومن هناك وجد سبيله إلى إنجلترا بعد ذلك بقرون عدة. إن شبكة النقل لهذه المخطوطات معقدة للغاية، ولكن من الممكن تعقب الروابط الأكيدة، وإن كانت دقيقة. وكما سنرى، تمتعت هذه الصيغة من أطروحة «العناصر» بتأثير أكبر من صيغة المترجم نفسه لكتاب «المجسطي»؛ إذ كانت الترجمة الوحيدة من اليونانية التي أنجزت في القرن الثاني عشر، وتقف جنبا إلى جنب مع الترجمتين من العربية إلى اللاتينية اللتين قام بهما جيرارد الكريموني وهيرمان الكارينثي وقد ألقينا بالفعل نظرة عليهما. ومع ذلك فإن ترجمة أخرى من العربية هي التي تهيمن على نقل عمل إقليدس في هذه الفترة، وهي ترجمة أديلار الباثي.
يعد أديلار شخصية مميزة تميزا رائعا في تاريخ العلم في العصور الوسطى. فبينما كان جيرارد الكريموني يخط بسرعة ودأب في محيط الكاتدرائية في طليطلة، كان «الباثي» يختال في أنحاء جنوب إيطاليا والشرق الأوسط، ويصادق الملوك، وينجو من زلازل ويستمتع بوجه عام بحياته على أكمل وجه. لا شك في أن إسهام جيرارد في البحث العلمي كان أكبر وأهم، ولكنه، كشخصية، بات منسيا في ذاكرة التاريخ. أما أديلار، على الجانب الآخر، فبقي ذكره طوال القرون الثمانية الماضية على نحو جيد جدا. يبدو الرجل شخصية مفعمة بالحيوية، بغض النظر عن حقيقة أن كل ما لدينا لنؤسس عليه هو معلومات قليلة مجزأة، وكتابات متلاشية منقوشة على مخطوطات وإشارات غير مباشرة في تمهيدات لكتب. من الواضح أنه كان شخصا موهوبا وغريب الأطوار بعض الشيء، فقد كان موسيقيا موهوبا (بل موهوبا جدا، في الواقع، لدرجة أنه طلب منه أن يعزف أمام ملكة فرنسا)، كان يستمتع بصيد الصقور بقدر ما كان يستمتع بعلم الفلك. ولد أديلار، الذي كان طموحا، ومغامرا، ويهوى لفت الأنظار بعض الشيء، في إنجلترا، في الجيل الأول بعد الفتح النورماندي، وهو وقت كان حافلا بتغيرات كبيرة، وحافلا لبعضهم بالفرص. أسعده الحظ بأن ولد في أسرة ثرية، كانت على صلة بالأسقف المحلي القوي، جيسو أسقف ويلز. تلقى تعليمه في باث، في الوقت الذي انتقل فيه المركز الأبرشي هناك من ويلز على يد خلف جيسو، يوحنا التوري، الذي بدأ سريعا في إعادة بناء وإحياء المدينة.
لا بد أن أديلار الشاب قد انتفع من هذا، ولكن، إذ كان قد استنفد الفرص التعليمية المتاحة في بلدته، فقد أرسل، ربما بتوصية من الأسقف يوحنا، إلى مدرسة الكاتدرائية في مدينة تورز في وادي اللوار. يحتمل أنه كان قد بدأ بالفعل دراسة العلوم في إنجلترا، وتابع بالتأكيد المزيد من الدراسة فيها في فرنسا. ولعله قد عرف بأطروحة إقليدس «العناصر» من خلال الشذرات الصغيرة من ترجمة بوثيوس، التي كانت في ذلك الوقت أساس المنهج الدراسي للرياضيات.
كان أديلار باحثا موهوبا، ولكنه كان نوعا ما رجلا متأنقا يلبس عباءة خضراء براقة وخاتما من الزمرد. في نسخة مخطوطة لأطروحته «قواعد العداد»، نسخت في باريس حوالي سنة 1400، يوجد صورة له وهو يعلم الأعداد العربية والكسور الاثنا عشرية. ومع أنه ليس تصويرا أمينا له، فإنه يصوره بشعر طويل ولحية كثة، مرتديا عباءة قصيرة حمراء أنيقة بدون أكمام وقميصا تحتيا أزرق لازورديا وقبعة مخططة زاهية. وتعكس كتاباته هذه الثنائية. فنصفها عبارة عن حوارات أدبية لبقة معدة لتثقيف شباب النبلاء، ومقدمة في لغة لاتينية أنيقة، في شكل حوار بين أديلار وابن أخيه، وهو أسلوب أدبي من شبه المؤكد أنه مستعار من أفلاطون، وأهدى عمله عن الأسطرلاب، والمسمى «عن عمل الأسطرلاب»، لتلميذه هنري بلانتاجينيت، الذي سيصبح مستقبلا الملك هنري الثاني. يحتوي «عن عمل الأسطرلاب» على بعض المادة العلمية وأدرج أديلار مقدمة عن العداد في محاورته «عن التشابه والتنوع»، التي هي عبارة عن مناقشة لرمزية العلوم الإنسانية السبعة. وبالمثل، يشتمل كتاب «أسئلة طبيعية» على فحوص ماهرة لأسباب الظواهر الطبيعية. كان يمتلك موهبة في توصيل الأفكار العلمية المعقدة وتطويعها بما يتناسب مع جمهور هاو ولكنه مهتم في الوقت نفسه. عززت هذه الأعمال الثلاثة من مكانة أديلار المهنية ومن المحتمل أنه اكتسب منها بعض المال؛ مما أتاح له أن يمضي وقتا في اهتماماته الأكاديمية الجادة، التي تشكل النصف الآخر من كتاباته. كان أهم هذه الكتابات ترجمته لجداول «الزيج» للخوارزمي من العربية، وكتاب أبي معشر «المدخل الكبير إلى علم أحكام النجوم»، وأطروحة «العناصر». تتسم هذه الأعمال بأنها موجزة وعلمية، وغنية بالمعلومات دون تنميق؛ وليست مهداة إلى أحد. فقد كتبها أديلار لنفسه وطلابه، للدراسة الجادة. وكالعادة، يبقى السؤال الكبير المطروح هو: أين عثر على هذه الكتب؟
ثمة احتمالات عديدة. سافر أديلار إلى بلدان كثيرة، حاملا معه كتبا وأفكارا من مكان إلى مكان، وملتقيا بباحثين وموصلا إياهم بشبكة أوسع. فهو يوفر حلقة وصل قطعية بين المراكز الكبرى للبحث العلمي في العصور الوسطى. في أوائل القرن الثاني عشر، انطلق أديلار في رحلته الكبرى، مفارقا ابن أخيه وبعض تلاميذه الآخرين، بالقرب من بلدة لاون، في فرنسا. كان قد صار قلقا ومحبطا من الحياة الفكرية في شمال أوروبا. بدت المناقشات والأفكار التي تشغل الباحثين في فرنسا عديمة الجدوى؛ وكان رأي أديلار الذي جهر به أن ما يصنعونه كان أشبه «بصنع قصور من رمال الفكر».
Halaman tidak diketahui