Peta Pengetahuan
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genre-genre
3
ثمة شخصية مهمة أخرى كان لها صلة ببوبيو وهي جربير دورياك (نحو 945-1003)، الذي أصبح فيما بعد البابا سلفستر الثاني. عندما كان جربير شابا، أخذه اهتمامه بالرياضيات إلى شمال إسبانيا، حيث درس على يد أتو، أسقف فيتش. لعل مسألة تعرضه للمعرفة العربية في هذا الوقت من عدمه هي مسألة خلافية، ولكن نصوصا عديدة نسبت إليه، في الحساب والهندسة والإحصاء باستخدام معداد خاص يشتمل على الأعداد الهندية العربية؛ وكان مهتما أيضا بعلم الفلك وصنع الآلة الفلكية المسماة ذات الحلق. شغل جيرارد منصب رئيس دير بوبيو لفترة قصيرة، وتكشف خطاباته عن الدور الذي لعبه في إمداد المكتبة بالنصوص. ففي 22 يونيو عام 983، كتب إلى أدالبيرو رئيس أساقفة ريمس، يخبره قائلا: «لقد اكتشفنا منذ ذلك الحين ثمانية مجلدات هي: كتاب بوثيوس «في التنجيم»، وأيضا بعض أشكال الهندسة الجميلة.»
4
بعد ذلك بخمسة أعوام، وكان حينئذ في ريمس، كتب إلى صديق في بوبيو يقول: «أنت تعرف مقدار الحماسة التي تجعلني أجمع من كل مكان نسخا من الكتب.» وذلك قبل أن يمضي قدما في إدراج الكتب التي كان قد نسخها.
5
من الممكن أن يكون جيرارد قد سلك أحد طريقين إلى إسبانيا؛ جنوبا، عبر صقلية؛ أو شمالا، حول ساحل فرنسا. يتصادف أن بوبيو يقع على طريق من كريمونا إلى جنوة، وهي أقرب ميناء ومن ثم تعد نقطة المغادرة الأكثر ترجيحا للاثنين. من المؤكد أن مكتبة الدير كانت مشهورة بمجموعتها، وبعلم الفلك على وجه الخصوص؛ لذا ليس من المستبعد أن يكون جيرارد قد زارها في مرحلة ما قبل أن يغادر إلى إسبانيا، إن لم يكن قد فعل ذلك وهو في طريقه إلى هناك. من الواضح أيضا أنها احتوت على كتب متنوعة يمكن أن تكون قد حفزت جيرارد للبحث عن النسخة الكاملة من كتاب «المجسطي».
ولد جيرارد في عام 1114، ومن المحتمل أنه أمضى العشرين عاما الأولى من حياته على الأقل في شمال إيطاليا، قبل أن يبدأ رحلته في مسعاه من أجل كتاب «المجسطي». لنتخيل أنه سلك الطريق الشمالي، بادئا رحلته من جنوة على متن إحدى السفن التجارية الكثيرة التي كانت تتخذ سبيلا متعرجا على ساحل شمال إيطاليا إلى جنوب فرنسا، وترسو في موانئ أنتيب وفريجوس وهييريس. في العصور الوسطى، كانت السفن هي أسرع وسائل النقل وأقلها راحة؛ ففيما بين أبريل ونوفمبر، كان البحر المتوسط يعج بالسفن التي تأخذ الركاب والسلع من ميناء إلى ميناء، وتبقى دوما قريبة من الساحل، حيثما كان ذلك ممكنا. من المحتمل أن يكون جيرارد قد وصل إلى مرسيليا في بضعة أيام فحسب، ولو كان قد نزل هناك، فربما يكون قد وجد ساحة فكرية مزدهرة. إذا كان قد قرر أن يبقى لبعض الوقت ويدرس، فمن الممكن جدا أن يكون قد التقى بعالم فلك يدعى ريموند، الذي كان هناك في عام 1140، عاكفا على تصميم مجموعة من الجداول للمنطقة المحلية. هذا كله، بالطبع، محض تخمين، لكنه يقع في حدود النطاق الممكن. كما أنه يقدم إجابة للسؤال المتعلق بالسبب الذي جعل جيرارد الكريموني يمضي بحثا عن كتاب «المجسطي» في طليطلة، والكيفية التي عرف بها أنه سيكون هناك. كانت توجد صلات فكرية شتى بين طليطلة ومرسيليا؛ أهمها أن «جداول» ريموند استندت إلى «جداول طليطلة»، التي صممت في القرن السابق على يد الفلكي الزرقالي الذي لم يستعن بأي شيء إلا ب «زيج» الخوارزمي. لو كان جيرارد الشاب قد أمضى وقتا في مرسيليا، فمن الوارد أن يكون الباحثون هناك قد أخبروه عن الاكتشافات المذهلة للعلوم العربية، وباحثيها اللامعين وكتبهم الرائدة. وإن لم يكن موليا وجهته بالفعل إلى هناك، فمن المؤكد أن يكونوا قد وجهوه صوب طليطلة.
أثناء وقوفه على حافة مضيق نهر تاجة، من المرجح أن يكون جيرارد قد فهم على الفور سبب اختيار مؤسس طليطلة لهذا الموقع؛ إذ تستقر المدينة على قمة تل منحدر، ويحيط بها من ثلاث جهات النهر المتعرج، الذي ينساب عبر واد شديد الانحدار؛ مما يسهل للغاية إمكانية الدفاع عنها. من شأن الهجوم عبر النهر أن يكون بمثابة انتحار، فالنزول من الجهة الرأسية للجرف الشديد الانحدار سوف يكون صعبا بما في الكفاية؛ وعبور المياه السريعة التدفق ثم التسلق صعودا إلى الجانب الآخر، استعدادا للقتال، من شأنه أن يكون مستحيلا. وعلى حد وصف المؤرخ الروماني ليفي، فإن طليطلة «مدينة صغيرة، ولكنها محصنة بموقعها». ازدهرت المدينة في ظل حكم الرومان وكانت تسمى «توليتم »؛ وكانت المركز المحلي لصناعة الصلب، الذي اشتهر بسبيكته المعدنية العالية الجودة التي كانت فائقة الصلابة، والذي أمد الجيش الإمبراطوري بالسيوف، وازدادت المدينة ثراء. عندما استولى القوط الغربيون على السلطة في إسبانيا، اتخذوا من طليطلة عاصمة لهم، وجعلوها نواة سلطتهم السياسية والدينية والثقافية، في القلب من شبه الجزيرة تقريبا. ازدهرت علوم القوط الغربيين هناك في القرن السابع؛ إذ اتخذها العديد من الكتاب الكنسيين موطنا لهم وضمت مكتبتين على الأقل.
انتهت بغتة فترة السيادة هذه في عام 712، عندما جاء الغزو العربي من الجنوب وأسس العرب مدينة قرطبة وجعلوها عاصمة لهم. ظلت طليطلة، تحت سيطرة المسلمين قرونا عديدة، تحكمها عائلات محلية بدرجات متفاوتة من الاستقلال الذاتي عن الأمويين. ونظرا لكونها مدينة حدودية استراتيجية، بالقرب من الحدود مع مسيحيي شمال إسبانيا، فإنها تقع عند نهاية حدود العالم العربي. تدهورت المدينة في العقود التالية، فأصبحت مرتعا خصبا للتمرد والسخط، تحت رحمة أمراء الحرب المحليين، يمزقها الصراع الداخلي، وعرضة لعمليات حصار لا تنتهي. ولكن بعد سقوط السلالة الحاكمة الأموية في عام 1031، أصبحت طليطلة دويلة طوائف مستقلة، وعادت حالة من الاستقرار النسبي؛ مما أتاح للثقافة والبحث العلمي أن يزدهرا. عادت الحيوية إلى صناعة المعادن القديمة في طليطلة؛ مما جعل المدينة واحدة من أغنى المدن في إسبانيا. اشتهر حرفيو طليطلة بسكاكينهم ذات النصال الحادة والحلي الجميلة والأدوات المبتكرة، ولكن أكثر ما اشتهروا به كان السيوف الرائعة التي صدروها إلى كل أنحاء العالم المعروف، والتي كانت منية القلب لكل محارب طموح.
في عام 1029، عاش شاب، كان قد ولد لعائلة من الحرفيين، في قرية صغيرة على حافة المدينة. تدرب الزرقالي، ويعني اسمه «الصغير ذا العيون الزرقاء»، كغيره من الصبية في عائلته، ليصبح صانعا للأجهزة العلمية، واسترعت مواهبه الكبيرة انتباه صاعد الأندلسي، الذي كان قاضيا محليا، ومعلما ومؤلف كتاب «طبقات الأمم». في هذا الكتاب، يقدم لنا صاعد مقارنة نابضة بالحياة بين الإنجازات الفكرية لبلدان شتى، مستعرضا باحثيها وإسهاماتها في كل ناحية من نواحي المعرفة تقريبا. ويقسم سكان العالم إلى طبقتين؛ أولئك الذين أسهموا في العلم وأولئك الذين لم يسهموا فيه. وليس من المستغرب أن الفصل الذي يتناول الأندلس هو الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر تفصيلا، ولكنه كان في المجمل كتابا مؤثرا وظل مصدرا مهما للمعلومات عن تاريخ العلم، واستكمالا لجهد النديم الأكثر شمولية بكثير في كتابه «الفهرست».
Halaman tidak diketahui