Peta Pengetahuan
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genre-genre
2
كان العلماء في بغداد قد قاسوا محيط الأرض، وأحدثوا ثورة في دراسة النجوم، وطوروا معايير صارمة للترجمة وأساليب للممارسة العلمية، وصنعوا خريطة للعالم، وارتقوا بأساس نظامنا العددي الحديث، وحددوا قواعد الجبر، وأنشئوا فروعا جديدة في الطب، وحددوا أعراض العديد من الأمراض. وفي وقت قصير بدرجة مدهشة، كان العباسيون وأتباعهم قد أعادوا رسم خريطة المعرفة وجعلوا من بغداد مركزا مهما للدراسة العلمية، يغمرها وهج عصر ذهبي من الاكتشاف والتنوير.
قبل ذلك بقرنين فقط، كانت بغداد قرية فارسية صغيرة تتمحور حول دير نسطوري على ضفاف نهر دجلة.
3
حدد لها موقعها الجغرافي، معالم طريق العظمة؛ ففي المكان الذي يتدفق فيه نهرا دجلة والفرات بعضهما بالقرب من بعض، تقع مدينة بغداد في قلب الأرض القديمة الخصبة لبلاد الرافدين، التي وصفها بعبارات متنوعة كتاب معاصرون بأنها «السرة» أو «ملتقى العالم». وعلى مدى خمسة آلاف عام أو نحو ذلك، استقر الناس هنا، وزرعوا محاصيلهم وحفروا قنوات للري. ازدهرت الزراعة، وكان الطعام وفيرا؛ في أوقات كانت الأرض فيها تنتج ثلاثة محاصيل في العام، حتى إن كثيرين اعتقدوا أنها كانت موضع جنة عدن. شكلت الثروات الضخمة التي تولدت من هذه الخصوبة أساس سلسلة من الإمبراطوريات في الحوض الأخضر الخصيب بين النهرين؛ البابليين، والسومريين، والآشوريين والأخمينيين، والمقدونيين بقيادة الإسكندر الأكبر وسلالة السلوقيين. في عام 150ق.م أصبحت جزءا من الإمبراطورية الفرثية، التي ظلت تحت سيطرتها حتى عام 224 ميلادية، عندما وصلت سلالة حاكمة فارسية تدعى الساسانيون، الذين حكموا المنطقة حتى منتصف القرن السابع.
كانت القبائل البدوية من شبه الجزيرة العربية تهبط على نحو متقطع على شعوب بلاد الرافدين المستقرة لقرون، فتتخلى عن أسلوب حياتها البدوي الخشن بحثا عن شيء أفضل، ولكن في منتصف القرن السابع حدث شيء كان من شأنه أن يحول مجرى التاريخ. ففي مغارة، عاليا فوق مدينة مكة، ظهر رئيس الملائكة جبريل لتاجر في الأربعين من عمره يدعى محمدا، ملقنا إياه وحيا دون بعد ذلك ليصير القرآن. وظهر دين الإسلام إلى الوجود. خلال العقود القليلة التالية، تنامى عدد أتباع محمد تناميا مطردا، حيث نشر رسالته أولا في المدينة ثم مكة وباقي شبه الجزيرة العربية، جاعلا قبائلها المختلفة تحت راية واحدة ومانحا إياها عقيدة موحدة يعيشون بموجبها. مات محمد في عام 632 ميلادية، ولكن أتباعه، مدفوعين بحماسة إيمانهم الجديد وتنقلهم بسرعة عظيمة خيولهم الرائعة، اجتاحوا مصر وسوريا وبلاد فارس. كان توقيتهم مثاليا. فقد كانت الإمبراطورية الساسانية، التي كانت جبارة يوما ما، على شفا الانهيار، بعد أن أضعفتها عقود من الحرب مع جارتها البيزنطية.
4
وفي حالات كثيرة، كان كل ما على المسلمين فعله هو أن يصلوا إلى بوابات المدينة وينظروا نظرة تهديد إلى قاطنيها آمرين إياهم بالاستسلام ودفع مبالغ مالية ضخمة على سبيل الجزية. سقطت مصر سريعا، وفي غضون عقود كان المسلمون قد اكتسحوا الشرق الأوسط بكامله وتجاوزوه، فهزموا الساسانيين وأخذوا مساحات كبيرة من الأراضي من البيزنطيين. كان العائد الذي تدفق على خزائنهم من هذه الفتوحات مذهلا؛ ثروة أججت الإسراف المتفشي الذي أصبح صفوة المسلمين مشهورين به. بحلول أوائل القرن الثامن، كانوا قد غزوا مساحة أكبر من الإمبراطورية الرومانية في أوجها؛ إذ بلغت هذه المساحة خمسة ملايين ميل مربع. ولأول مرة منذ ألف سنة، عادت الأراضي، التي كان قد وحدها في الأصل الإسكندر الأكبر، تحت حكم واحد.
كان المغزى الثقافي لهذا الأمر كبيرا. كان الإسكندر الأكبر، بصفته باسيليوس (ملك) مقدونيا، والمهيمن على العصبة الهيلينية، وشاهنشاه فارس، وفرعون مصر، وسيد آسيا، وربما الأكثر أهمية، تلميذ أرسطو، قد نشر لغة اليونان وفلسفتها ودينها وتقاليدها في أنحاء إمبراطوريته، مؤسسا مراكز خارجية للهلينية في أماكن بعيدة مثل الحدود مع الصين. وبتواضع اتسم به، سمى عشرين فقط من هذه المدن باسمه، مشكلا شبكة من مدن تحمل اسم الإسكندرية وتتغنى بالثقافة اليونانية لقرون بعد موته. كانت هذه «الحركة الواسعة من الانتشار الثقافي» بطيئة، ولكنها كانت أيضا طويلة الأجل؛ إذ بقيت ما يقارب ألف سنة.
4
Halaman tidak diketahui