Peta Pengetahuan
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genre-genre
الذي صدر كميات ضخمة من الحبوب والبردي والكتان كانت تزرع على سهول النيل الخصيبة، وتحمل بالسفن عبر النهر إلى المدينة وبعد ذلك ترسل لتباع في أنحاء العالم الهلنستي. وبوصفهم المتحكمين في مداخل البحر المتوسط للتجار من أفريقيا وبلاد العرب والشرق، حظي الإسكندريون بحصة جيدة من المتاجرة المربحة في الذهب والأفيال والتوابل والعطور التي كانت تشحن في السفن من الجنوب والشرق عبر بحيرة ماريوتيس. كانت منارة فاروس العظيمة، التي بلغ ارتفاعها 120 مترا والتي كانت تعد عجيبة أخرى من عجائب العالم القديم السبع، تشرف شامخة على الميناء، رمزا لجلال وعظمة الإسكندرية، مرسلة أشعتها عبر البحر.
تقع الإسكندرية في مركز شبكة ضخمة من المدن، من بينها أثينا وبيرجامون ورودس وأنطاكية وأفسوس، وفيما بعد، روما والقسطنطينية. تنقل العلماء والكتب بحرية بين تلك المدن في السوق المزدهرة بالأفكار؛ فكان الشباب المهرة من أنحاء العالم الهلنستي يتلقون تعليمهم في مدنهم الأم، قبل أن يشدوا الرحال بحثا عن معلمين أفضل، ومكتبات أكبر ومعرفة أرقى. كانت كتب التعليم الابتدائي متوفرة لهم في المدرسة أو في المكتبة العامة المحلية؛ التي كان يوجد منها عدد كبير على نحو مذهل في العالم القديم. كان لدى معظم البلدات مجموعة من الكتب، لكن المكتبات الكبيرة في المدن هي وحدها التي كان من الممكن أن تشتمل على نصوص علمية بأي عدد؛ فمعظم نسخ الكتب التي نتتبعها هنا كان من الممكن أن تكون مملوكة ملكية فردية، لعلماء متخصصين. على خلاف الأدب بقصائده وخطبه ومسرحياته التي تصل إلى المئات، والتي كانت تنسخ وتباع وتقرأ في كل أنحاء منطقة البحر المتوسط، شكل العلم حصة ضئيلة من الكتابة القديمة ولم يكن محل اهتمام إلا من صفوة متعلمة؛ فلا يعرف إلا 144 عالم رياضيات في العصور القديمة كلها. وبينما كانت المكتبات العظيمة تمتلئ بكتب التاريخ، كانت المجموعات الخاصة الصغيرة، الموضوعة بعناية على الأرفف خلف الأبواب المغلقة، هي ما لعب دورا حاسما في نقل العلم. ما كان ليصبح بمقدور عالم رياضيات أو طب أو فلك أن يدرس دون امتلاك بضعة كتب خاصة به، ولا كان ليصبح بمقدوره أن يعلم الطلاب الذين تجمعوا حوله. ولأن هذه الأنواع من مقتنيات الكتب كانت خاصة، لا يتوافر إلا النذر اليسير من الأدلة التاريخية على وجودها، ولكن يمكننا أن نفترض باطمئنان أنها جمعت طوال المسيرة المهنية لباحث ما، بدءا من المدرسة. كان من شأن الباحثين أن يستعيروا النصوص من معلميهم وزملائهم ويصنعوا منها نسخا لأنفسهم، أو يجعلوا عبيدهم أو تلاميذهم يفعلون ذلك لأجلهم.
كان التعاون أمرا ضروريا؛ إذ كان يتعين على الباحثين أن يتآزروا معا كي يتشاركوا ما لديهم من موارد، وغالبا ما كانوا يفعلون ذلك في المدن الكبيرة، حيث كان يوجد بالفعل تقليد للتعلم ومكتبة؛ فكان من الصعوبة البالغة تحقيق أي تقدم في العلم بمعزل عن الآخرين. ولهذا السبب لعبت أماكن مثل الإسكندرية هذا الدور الأساسي في تاريخ العلم. كان كل المهتمين بالتعليم الأكاديمي يعرفون ذلك؛ فإذا أرادوا أن يحرزوا تقدما ويتحصلوا على النصوص وينالوا فرصة العمل مع علماء آخرين، كان عليهم أن يرتحلوا إلى أحد هذه المراكز. من المرجح أنه كان يوجههم إلى أثينا أو الإسكندرية معلموهم الذين سبق لهم أن درسوا في هاتين المدينتين على الأرجح، في شبابهم. ففي عصر كان يصعب فيه للغاية الوصول إلى المعرفة والأفكار، استند البحث الفكري على شبكات من الأشخاص المتشابهين في الميول والأفكار، لكنها كانت صغيرة جدا. عاش أرشميدس، أكثر علماء العالم القديم عبقرية، في سرقوسة في صقلية؛ التي كانت مكانا منعزلا نسبيا فيما يتعلق بالبحث العلمي. وعندما مات معاونه، كونون، أخذ أرشميدس يفتش باستماتة عن شخص «ملم بالهندسة» ليحل محله. واشتكى أيضا في مقدمة أطروحته «خطوط حلزونية» من أنه «رغم انقضاء سنين عديدة ... لا أجد أن أي أحد قد أثار أي معضلة من المعضلات».
4
هذه الصيحات الحزينة تظهر مدى قلة عدد الناس الذين كانوا يدرسون العلم في هذا المستوى. أولئك هم القلة القليلة من العلماء الذين كان يتعين عليهم العمل معا وتشارك خبراتهم ومواردهم، لا سيما الكتب.
كانت الإسكندرية عاصمة العالم الفكري لأكثر من ألف عام؛ لذا ليس من قبيل المصادفة أن الرجال الثلاثة الذين سوف نتتبع أفكارهم في هذا الكتاب عاشوا ودرسوا جميعهم هناك. في العقود الأولى بعد إنشاء المدينة، فتش بطليموس الأول جاهدا عن باحثين ليأتوا ويساعدوه في تحويل مدينته إلى مكان للتعلم ينافس أنطاكية وأثينا ورودس. الأدلة شحيحة، ولكن يبدو أن إقليدس كان واحدا من أولئك الباحثين، وأنه جاء من أثينا نحو عام 300ق.م، حيث كان أفلاطون، منذ بضعة عقود فقط، منشغلا بتعليم الرياضيات والفلسفة في الأكاديمية، تحت اللافتة التي تعلن: «لا تدعوا أي جاهل بالهندسة يدخل إلى هنا.» من المؤكد أن إقليدس قد جلب كتبا معه إلى الإسكندرية، ولا بد أن هذه الكتب نسخت وأضيفت إلى المكتبة. استقر إقليدس في وطنه الجديد، حيث حظي بدعم بطليموس الأول، وشرع في العمل مع باحثين آخرين مشابهين في الميول والأفكار، ربما في المكتبة نفسها. تصوره شذرات المعلومات المتاحة عن شخصيته، التي قد تكون صحيحة أو لا، على أنه رجل مجتهد يقظ الضمير، «ودود ومتعاطف مع كل من لديهم القدرة بأي قدر على تحقيق تقدم في الرياضيات ... ومع أنه عالم بحق، فإنه لا يتفاخر بنفسه».
5
ومما يؤكد هذه الرؤية هذا الكم الضخم من العمل والتنظيم اللذين لا بد أنهما بذلا في إخراج أطروحة «العناصر»، فضلا عن أعماله الأخرى. أقام إقليدس، الذي كان رجلا جادا، مولعا بالكتب، يحب الرياضيات حبا جما، في الإسكندرية، واستمرت مدرسة الرياضيات، التي تشكلت حوله، لقرون. أخرجت رحلته إلى الجنوب عبر البحر، بعيدا عن أثينا، دراسة الرياضيات من تحت عباءة الفلسفة، مما أتاح لها أن تصبح موضوعا مستقلا بذاته.
لم يكن إقليدس أكثر رجال الرياضيات في العصور القديمة براعة في الابتكار، فذلك الشرف ممنوح بالإجماع لأرشميدس، ولكنه كتب أعظم مرجع رياضي في كل العصور. في أطروحة «العناصر»، قدم إقليدس للعالم تفسيرا متقنا للمبادئ الشاملة للرياضيات، معروضة بطريقة منظمة وواضحة لدرجة أنه كان لا يزال يستخدم ككتاب دراسي بعد مرور 2300 سنة،
3
Halaman tidak diketahui