ومازَحَني بالهجرِ والهجرُ قاتلٌ ... وما مزْحُه بالهجْرِ إلا كجِدِّه
وبِتْنا كما شئنا وشاءَ لنا الهوى ... يكُفّ علينا الوصلُ فاضلَ بُردِه
زمانًا نعِمْنا فيه بالوصل فانقضى ... وبانَ على رُغمي ومنْ لي بردِّه
فلا تعذُلَنّ الدّهرَ في سوء غدرِه ... ولا تطلُبنْ منه الوَفاءَ بعهدِه
وخُذْ ما أتى منه فليس بعامدٍ ... وما خطأُ المِقْدارِ إلا كعهدِه
ورفقًا فم الإنسانُ إلا بجدّه ... وليس بمُغْنٍ عنه كثرةُ كدِّه
فما يسبِقُ الطِّرفُ العَتيقُ بشدّه ... ولا يقطعُ السيفُ الذّليقُ بحدّه
ولكنّ أقدارًا تحكَّمُ في الورى ... فيأخُذُ كلٌ منهمُ قدرَ جدِّهِ
وما أحدٌ نال العَلاءَ بحقّه ... وأدركه دونَ الرِّجالِ بجَهْدِه
سوى الصّدرِ مجْدِ الملك فهْوَ سما له ... بجِدٍّ وجدٍّ مستقلٍ بسعْدِه
فما قرّ صدرُ الدّين إلا بقلبِه ... ولا اشتدّ أزْرُ المُلكِ إلا بمجدِه
وحنّ إليه الدّستُ مُذْ كان مرضَعًا ... ونافس فيه التّخْتُ أعوادَ مهدِه
ومنها:
على مجده من جودِه دِرْعُ نائل ... تكفّلَ كعبِيُّ السّماحِ بسرْدِه
وله:
أما إنّه لولا الهوى وجنونُه ... لما غلِقَتْ يومَ الرِّهانِ رُهونُهُ
له اللهُ أما دمعُهُ فيُذيله ... غَرامًا وأمّا وجدُه فيصونُه
وإن هو أخفى وجدَهُ وشؤونَه ... حِذارًا أذاعتْهُ ضِرارًا شؤونُه
بنفسي بدرًا يفضحُ البدرَ نورُه ... وغصنَ قوامٍ يُخجِلُ الغُصنَ لينُه
عقاربُ صُدْغٍ ليس يرقى سليمُها ... ورمحُ قَوامٍ لا يبِلُّ طَعينُهُ
وله:
إسقني يا ضرّةَ القمرِ ... واسلُبِ اللّذّاتِ وابتدِرِ
قهوةً حمراَ صافيةً ... تخضِبُ النُّدمانَ بالشّررِ
سبَقَتْ نوحًا فلو نطقَتْ ... لرَوتْ ما مرّ في السِّيَرِ
فجيوشُ الليلِ هاربةٌ ... وجُنودُ الصّبحِ في الأثرِ
ونجومُ الجوِّ حائرةٌ ... والدُجى يبكي على القمرِ
وغصونُ البانِ مائلةٌ ... طربًا من شدّة السُّكُرِ
ولُحونُ الطّيرِ عاليةٌ ... والصَّبا تختالُ بالشّجَرِ
ليلتي لا عيبَ فيكِ ولا ... خِلتُ أنْ تشني سوى القِصَرِ
ليتَها طالتْ عليّ ولو ... كان ذاك الطّولُ من عُمُري
لي حبيبٌ ليسَ يُنصِفُني ... مهجتي منه على خطَرِ
مالك رِقّي يعذّبني ... كم مليكٍ سيّئ الظّفَرِ
ثمّ وقعت بيدي مجلّدة مقفّاة من شعره، فأوردت منها ما انتخبتُه. فمن ذلك قوله:
أخيطُ ... بتخريقه ... وليس إلا فَيْشتي إبْرَهْ
ومنه في وصف غلام هنديّ:
أخضرُ هنديٌ لمَىً كلُّه ... والصّارمُ الهنديّ ذو خُضرَهْ
مُهفهَفُ الأعطافِ ممشوقُها ... مُبلبَلُ الأصداغِ والطُرّهْ
وله:
قُم يا غلامُ فهاتِها ... حمراء فالتّفاحُ أحمَرْ
قانٍ كخدِّك بين ريْ ... حانٍ كعارضِك المسَطّرْ
فكأنّها والمزْجُ يُل ... بِسُ رأسَها إكليلَ جوهَرْ
بدرُ الدُجى صاغت له ال ... أفلاكُ نجمَ الجوِّ مِغفَرْ
وكأنّ كفَّ مديرِها ... من لونيَ القاني معَصْفَرْ
وقوله من قصيدة:
لعلّ الخيال العامريّ إذا سرى ... يدلّ عيونَ الهاشميّ على الكرى
ويا ربِّ إن روّحتَ فكرًا من الهوى ... فزِدْ نارَ قلبي حُرقةً وتسعُّرا
وإنْ كان في وصلي المَلالةُ والقِلى ... فأوْحِ إليها الهجرَ ربّي لتهجُرا
ومنها:
وإنّ ضلالي فيك أهدى من الهُدى ... وإنّ سُهادي فيك أحلى من الكرى
1 / 15