وتبادلا نظرة طويلة، ثم سألها: وكيف حالك؟
أشارت إلى مقاطف البيض، وقالت: كما ترى، معدن!
بعد تردد: ألم ... ألم تتزوجي؟ - كبر الأولاد والبنات.
جواب لا يعني شيئا، واعتذار واه كأنه مصيدة، ما جدوى العودة قبل أن تسترد الكرامة الضائعة؟ ألا ما أفظع الفراغ! وأشارت إلى مقعد خال في زاوية الدكان، وقالت: تفضل.
نغمة ناعمة كأيام زمان، ولكن لم يبق إلا الغبار، قال: في فرصة أخرى.
وتردد في حيرة معذبة ثم صافحها وذهب. لن تتكرر الفرصة. هكذا وجدت نفسك قبل عشرين سنة، ولكن الأمل لم يكن قد قبر، وكره فكرة الذهاب إلى الجبل من طريق الجوالة، كره أن يرى الناس أو أن يروه، وكان ثمة طريق الخلاء، فمضى نحو الخلاء.
البارمان
مهما يكن من أمر فقد اقتران بأطيب الأوقات وجهك، وأنت معتمد على الطاولة الرخامية البيضاء بكوع يسراك وراحة يمناك، تنظر وتنتظر، ودائما تبتسم، وبين حين وحين تتناول منشفة صفراء كبيرة فتمسح السطح برشاقة، ثم تعود إلى موقفك، ووراء ظهرك على رفوف أربعة صفت زجاجات الخمور من كل صنف، مستكنة في خمول، ناضحة بسوائل ذهبية وبنية وحمراء، ولا مشابهة أو مقاربة بين ظاهرها الأنيس الوديع وخميرها العامر بالقوى الغامضة الملهمة المفجرة. ورأسك المستدير الكبير، وشعرك الأسود المفروق من الوسط، وحاجباك الغزيران المتباعدان، وشاربك الكث المتعرج كقوس، وذقنك العريض القوي، وعيناك الواسعتان الزرقاوان اللامعتان، وأنفك الأقنى؛ كل أولئك آيات منظر لا يمكن أن ينسى، أنت حقا ملك قهوة وبار أفريقيا.
وفي بعض الأوقات كنا نغادر مكاتبنا بالوزارة فنتسلل إلى «أفريقيا» لنشرب فنجالا من القهوة، ولم يكن من النادر أن يدور حديثنا عنك وأنت لا تدري. ومرة تساءلت بين إخوة من الموظفين: كيف يختارون البارمان؟
فأجاب صديق من أهل الخبرة وهو يرمقك بإعجاب: لعله في الأصل جرسون، ولكنه ينتقى بمنتهى الدقة.
Halaman tidak diketahui