والتقيا في قبلة. - كيف تزوجت ناهد؟ - كأي زواج. - سمعنا غير ذلك. - أبدا. - دري؟! - أبدا والله. - ربما، هل رأيتها جميلة؟ - حين تزوجتها لم أكن أراها قبيحة. - على كل حال هي عادية لا جميلة، ولا قبيحة. - الشباب في أول حياته لا يفرق كثيرا بين أحجام الجمال. - ولماذا كرهتها؟ - لم تستطع أن تجعلني أحبها. - وكيف تستطيع امرأة أن تجعلك تحبها؟ - أنت تعرفين ذلك جيدا. - لو كنت زوجي لما أحببتني. - أنت كما أحب المرأة أن تكون. - كلام. - أتريدين مزيدا من كلمات الحب؟ - لا تضر. - ولا تنفع، أنت تعرفين ماذا أنت عندي. - هل أنت واثق؟ - أنت واثقة؟ - نعم، أعتقد ذلك.
وكانت بواكير الصيف قد أقبلت، وسارعت سهام بالسفر إلى الإسكندرية حتى لا ترى كيف يتقرب دري لإلهام، وكانت تأمل أن يتم الزواج دون استدعاء لها متصورة أن زواج أرملة من رجل مطلق لا يحتاج إلى احتفال، وحاولت أن تنسى أن إلهام تحب كل شيء لها أن يكون على أتم رواء، وحاولت أن تنسى أيضا أن إلهام لا تحب أن تتركهم يستمتعون بوقتهم، وهكذا أعاد استدعاؤها إلى القاهرة كل ما حاولت أن تنساه، قالت لها أمها: أختك ستتزوج بعد غد.
ولم تسألها سهام عن الزوج، وتعجبت الأم، ولكنها لم تقل شيئا لإلهام، وحين طلبت سهام أن تكلم أختها لم تجدها، فحمدت الله في سرها، وانتهت المكالمة بين عجب من الأم وغيظ من الابنة.
وها هي ذي تقطع الطريق مع حمدي إلى القاهرة في سيارتها الجديدة التي اشترتها له، وأبقت رخصتها باسمها، تاركة أسامة وفريدة مع توحيدة ليكونا عذرها في عود سريع.
2
أهو انتقام ما أفعل؟ هل لم تستطع كل هذه السنين أن تمحو من نفسي ذلك اليوم؟ ألم تستطع عبير أن تنسيني ذلك اليوم؟ ألم تستطع هي نفسها ناهد أن تنسيني ذلك اليوم؟ أعزيزة هي الحرية إلى هذا الحد؟ إن لم تتح لي الحرية في اختيار زوجتي ففيم إذن، بل إنني أريد الحرية في كل شيء، أحمد الله أنني لست كاتبا؛ فالكاتب - فيما أعتقد - كثيرا ما يرغم على ابتلاع كلام كثير يريد أن يقوله، كيف يستطيع كتاب روسيا أن يسموا أنفسهم كتابا، إنهم آلات كاتبة يدق عليها أعضاء الحزب، بل يدق عليها سكرتير الحزب وحده بدعوى كاذبة أن هذه هي إرادة الحزب، أو إرادة الشعب كما يحبون دائما أن يقولوا، ما هذا الخرف؟ ما دخل روسيا والحزب وكتاب روسيا بما أفكر فيه، عجيب هذا العقل يشرد رغم أنف صاحبه ويذهب إلى مذاهب عجيبة من التفكير بلا رقيب أو حسيب. قرأت مرة في رواية ترسم المستقبل أن هناك آلة سيكون من شأنها معرفة ما يفكر فيه العقل، ويقول المؤلف إن الدولة ستعتمد على هذه الآلة في محاسبة الناس على أفكارهم، أعوذ بالله، إن الله لا يحاسب الناس على أفكارهم، عجيبة أن يذكر الناس الله في هذه المواضع، لقد نسوا أن الله رحيم، ولو أن الدول حاسبت الناس كما يحاسبهم الله لأصبح البشر في سعادة لا تماثلها سعادة ولأصبح الذهاب إلى الجنة لا داعي له.
وهل هناك داع للذهاب إلى الجنة؟ لا بد، إننا في كل ما نفعل نحاول أن نهيئ لأنفسنا جنة على الأرض، ونفشل طبعا لأننا بشر، هل الجنة حور عين وأنهر من عسل، إنها صفات حسية ذكرت لقوم كان الحس عندهم مجسما دائما في الجنس والمأكل، إن الجنة عندي هي السعادة، قد لا نأكل هناك شيئا، وقد لا نجد حورا عينا أو غير عين، ولكننا لا شك سنجد السعادة، سنعيشها، نعرفها مشرقة دائما في نفوسنا لا ومضة وتختفي، أو لحظة وتزول، وإنما نعرفها حياة بلا نهاية، ألا يصيبنا الملل، وهل مع السعادة ملل؟ إن الذي خلق الإنسان، وصنع النفس والروح، وشكلها كما يشاء لا يصعب عليه أن يمحق الملل من الحياة الأخرى، ومن أين يأتي الملل؟ إننا إن لم نصنع شيئا إلا الالتقاء بالعباقرة الذين سبقونا ليقصوا علينا قصصهم الصغيرة والكبيرة ومشاعرهم دون نفاق للمجتمع أو خوف من الناس لاندحر الملل عنا، ولذهب إلى غير رجعة، وإلى الأبد، أهناك أبد؟ إن الآخرة هي الأبد، كأني نسيت أن هناك نارا أيضا، لا بد أن نمر بها من باب العلم بالشيء.
اسمع، أنا طبيب، ولا بد أن أعرف ما الذي جعلني أفكر في الجنة والنار الآن؟
أتراني مخطئا فيما اتخذت من قرار؟
زوجتي وابنتي أتركهما ... من أجل ماذا؟
Halaman tidak diketahui