والواقع أنها كانت تمنحه نفسها؛ لأنه من الطبيعي أن تمنحه نفسها، ولكن شعورها بأنه لا كيان له كان يجعلها دائما لا تحس برجولته، كان إذا أجاد أحس أنها تقاضيه دينا مستحقا، وإذا أخفق أحس أنه مدين مفلس يحرجه الدائن، ولا يجد من حرجه منقذا.
فهو محق أن يبحث عن هذه الرجولة في فراش آخر، وكان فراش سعاد هو أقرب فراش.
ولم تكن سعاد قبيحة؛ فهي فتاة سمراء شديدة السمرة قوامها مياد هفهاف، وهي زوجة لزوج لا يلقاها إلا في إجازتها كل أسبوع؛ فالصلة بها مأمونة لا خوف منها إلا أن تمسك بهما سهام.
وقد استمرت علاقته سنتين تقريبا، ولكنه ما زال يعجب بنفسه، كلما ذكر أول يوم تجرأ أن يهمس بالرغبة همسته الأولى لها.
هو يحسب أن شجاعته هي التي أتاحت له ما تم بينه وبين سعاد، ولقد يخادع نفسه، ويظن أن مركزه بوصفه البك هو الذي مهد له السبيل، وقد يقف أمام المرآة، وتغشى عينيه غاشية من النرجسية والرضاء من النفس، فيظن أن جماله قد أوقع سعاد في شباكه، وإلا فكيف يبرر أن سعاد قد لبت أول إشارة له. - عودك حلو يا بنت يا سعاد. - خدامتك يا سيدي. - ترى أيعرف زوجك قيمته؟ - جاءته خيبة. - العود عطشان؟! - ولا يسقيه إلا العزيز الغالي. - صحيح يا بنت. - خدامتك يا سيدي.
هو معذور إذن أن تذهب به الظنون، حيث ذهبت من الرضاء عن النفس.
ولكن الحقيقة كانت أبعد ما تكون عما ذهب إليه، فكل ما حدث كان من فعل سعاد، فقد أدركت بذكائها أن هذا البك ضائع في البيت، وأنه مستعد أن يكون رهن إشارتها لو أتاحت له نفسها، ثم هو لا شك سيغدق عليها من المال ما لا تتوقع وهي بعد لن تخسر شيئا، وماذا عندها فتخسره؟!
فحين تكلم عن عودها لم يكن هو الذي يتكلم، وإنما كان الإعداد الذي أعدته هي؛ فهي تعرف تماما أن عودها جميل، وهي تعرف تماما كيف تجعله أعظم جمالا، فلها وسيلتها أن يسطع النهدان منها، ولها وسيلتها أن يدق الخصر، وينفر ما دونه، فكان لا بد للبك أن يقول ما قال، وما دام قد قاله، فكل شيء بعد ذلك ميسور قريب.
كانت ليلة باردة، وكانت سهام قادمة من شقة دري، فظهرها وهي نائمة إلى حمدي، وكانت بينهما لغة خرساء في الفراش، فهي إن أولته ظهرها فهي إنما تخبره أنه غير مسموح له بالاقتراب منها في ليلته هذه، وهي إن اتخذت وضعا آخر فله أن يقترب.
ولكن المهم أن إشارة البدء لم تكن تصدر إلا منها هي وحدها.
Halaman tidak diketahui