Keynes Pengenalan Ringkas Sangat
جون مينارد كينز: مقدمة قصيرة جدا
Genre-genre
تتسم نظرية كينز في الاحتمال بالتفاؤل حيال قوة العقل البشري وبالتشاؤم حيال قدرة العقل على كشف أسرار الكون. اقتبس كينز عن لوك قوله: «في الجزء الأكبر من دائرة اهتمامنا، أستطيع القول إن الرب لم يقدم لنا سوى «شفق الاحتمال»، وهو ما يناسب - حسب ما اعتقد - الحالة المتواضعة والبدائية التي أراد أن نكون عليها في هذه الأرض.»
وعند تحديد الشيء العقلاني حتى نفعله، علينا أن ننظر إلى اعتبارين آخرين لا علاقة لهما بالاحتمال؛ وهما، بحسب كينز: «مدى أهمية القضية» و«المخاطرة الأخلاقية». ويقصد كينز بالأولى قدر الدليل الذي يؤيد حكما احتماليا معينا. ولا يغير هذا من الاحتمال، وإنما قد يغير قدر الثقة في حكمنا. ويلعب تفريق كينز بين عقلانية أي حكم نصدره وقدر الثقة التي من المنطقي توافره فيه دورا محوريا في مناقشة الجانب النفسي للاستثمار في كتابه «النظرية العامة». ويشير مبدأ المخاطرة الأخلاقية إلى أنه من المنطقي أكثر استهداف نوع أصغر من الخيرية يزيد احتمال تحققه بدلا من استهداف نوع أكبر من الخيرية يقل احتمال تحققه، وذلك في حالة تساوي احتمال وجود الخير في الحالتين. وعند تساوي العوامل الأخرى، «تؤدي زيادة أهمية القضية وغياب المخاطرة الأخلاقية إلى زيادة الرغبة في القيام بفعل ما.» وتمثل هذه الفكرة الأساس الفلسفي لرفض كينز للتغيير الثوري.
وفي أثناء إعداد بحثه في الاحتمال للنشر، أضاف كينز بعض الأقسام عن الاستقراء والاستدلال الإحصائي. وكتب يقول إن العالم المتعمق في المذهب التجريبي لا يمكنه الاستفادة من الاستقراء دون عدم اتساق؛ إذ إن استخدام المنهج الاستقرائي يتطلب تعيين احتمال مسبق لصحتها. أما الصفحات التي تربو على المائة بقليل عن الاستدلال الإحصائي، فهي رائعة بسبب محاولة كينز قصر نطاق صحة تلك الطريقة على مجموعات الحالات التي يتوافر فيها معدل التكرار الثابت بدلا من المتوسط. وهذا مكمن اعتراضه على إساءة استخدام علم الاقتصاد القياسي. ومما لا شك فيه أن اعتراض كينز الفلسفي على الاستقراء جعل آراءه الاقتصادية تنحرف بشدة عن المذهب التجريبي، رغم مطالبته المستمرة بتحسين جودة البيانات. وبينما قصد اختيار نماذج قادرة على تفسير «حقائق التجربة»، لم تشتق نماذجه من التجربة، بل من التأمل الذاتي. وفي هذا السياق يعد منهجه أقرب لمنهج الاقتصاديين الكلاسيكيين من منهج نقادهم من أتباع الاقتصاد «المؤسسي».
لم ينتشل تلامذة كينز كتابه «بحث في الاحتمال» من غياهب النسيان إلا مؤخرا. ويعد ذلك جزءا من تنامي الوعي بأهمية نظرية كينز المعرفية في فهم نظريته في السلوك الاقتصادي. هناك جدل حول وضع نظريته في الاحتمال. فهل كانت النظرية عبارة عن بنية منظر واقعي كما يزعم رودريك أودونيل، أم أنها عبارة عن «منطق رأي» كما تقول آنا كارابيلي؟ يبدو أن إصرار كينز على أن الاحتمال هو علاقة «موضوعية واقعية» وأن كل المعتقدات المنطقية تعتمد على فرضيات صحيحة يدعم مذهب أودونيل، رغم أن كينز عدل رأيه لاحقا استجابة للنقد الذي وجهه إليه فرانك رامزي. وهناك مسألة أخرى تتعلق بالاتساق المعرفي بين كتاب «بحث في الاحتمال» وكتاب «النظرية العامة»؛ إذ يتساءل أثول فيتزجيبونز عن سبب تحول «شفق الاحتمال» بحلول عام 1936 إلى «ظلام حالك» من عدم اليقين. وتقدم نقطة التحول المتمثلة في الحرب العالمية الأولى الإجابة. لكن في النهاية هل يرى كينز - في كتاب «النظرية العامة» - في السلوك الاستثماري سلوكا عقلانيا أم غير عقلاني؟ هنا يظهر الخلاف الجوهري بين من يرون أن استراتيجية الاستثمار «التقليدي»، التي ذكرها كينز في «النظرية العامة»، هي شكل «باهت» من العقلانية، ومن يقولون إن كينز كان يعتقد أن السلوك الاستثماري غير عقلاني. ربما كان هذا حكما «تقليديا» غير قابل للجدال على الاحتمالات، والذي يحافظ على ثبات معقول للاستثمار مع كون «الغريزة الحيوانية» هي السبب في دورته.
لم تكن تلك المناقشات مجرد اهتمام بالتاريخ؛ فقد كان كينز أول اقتصادي يضع عدم اليقين في قلب المشكلة الاقتصادية، وهو ما أثار قضية نطاق العقلانية ومعناها في علم الاقتصاد. فهل العقلانية ممكنة في عالم يتسم بعدم اليقين؟ وكيف يمكن تحديدها؟ ترتبط المسألة المتعلقة بالسياسة الاقتصادية بالظروف التي ينبغي توفيرها؛ لئلا ترى العناصر الاقتصادية الفاعلة هيكل الاقتصاد يتسم من الأساس بعدم اليقين.
وضعت نظرية كينز في السياسة ضمن الإطار المفاهيمي ذاته لفلسفته الأخلاقية والاقتصادية. وكانت أقرب محاولاته لتقديم عرض منهجي هو المقال الذي كتبه في 100 صفحة خلال دراسته الجامعية عن إدموند بيرك، الذي نجح في الحصول به على الجائزة الجامعية في المقال الإنجليزي عام 1904، وهي نفس السنة التي كتب فيها أول مقالاته عن الاحتمالات. أبدى كينز تعاطفا شديدا مع آراء مؤسس مبادئ التيار المحافظ البريطاني؛ فقد أيد فصل بيرك بين الأخلاق والسياسة، بجانب تفضيله للمصلحة الحالية على المصلحة المستقبلية. لكن كينز انتقد بيرك لجبنه الشديد بوصفه مصلحا ولاستخفافه بادعاءات الحقيقة؛ فقد انتقده بشكل عام لمبالغته في تحميل الافتراضات المنطقية ما لا تحتمل. وقد كانت الآراء التي قدمها في مقاله هذا الذي كتبه خلال الدراسة الجامعية، وكذلك في كتاباته الناضجة لاحقا، سابقة لعصرها.
تكمن «حكمة بيرك السياسية التي لا تضاهى» - طبقا لكينز - في أنه كان أول مفكر على الإطلاق يضع نظرية سياسية تقوم على النفعية بدلا من الحقوق المجردة، رغم أن تلك النفعية «اقترنت» بمبدأ المساواة القائل إن على الحكومات أن تتجنب التمييز المفتعل ضد أفراد أو طبقات معينة. واقتبس كينز عن بيرك، مؤيدا له، قوله: «القضية بالنسبة لي لا تتمثل فيما إذا كنت تمتلك حق إتعاس شعبك أم لا، وإنما إذا كنت ليست لديك الرغبة في إسعاده أم لا.» وأضاف كينز: «ليست هذه الفكرة عميقة تماما، لكن يجب أن نقر، بفضل بيرك، بأنه أول من عبر عنها بوضوح وثبات.» وكان أهم تبعات هذه الفكرة هو احتفاء بيرك بالنفعية بوصفها مبدأ جوهريا في السياسة، وهو ما أيده كينز بالتأكيد. وقد قال كينز في أحد مقالاته في منتصف عشرينيات القرن العشرين: «إنها لكارثة فادحة أن تتبنى حكومة رأسمالية أي مبادئ. بل يجب عليها أن تكون انتهازية بكل معاني الكلمة وتعتمد على المواءمة وعلى التقدير السليم للموقف. وأي حكومة، سواء كانت ملكية أم حكومة أثرياء أو غيرها، إن تبنت أي مبادئ فستسقط في النهاية.» كان لدى كينز في صناعة السياسات ميل صريح، وإن كان غير متطرف، تجاه حرية التصرف في مقابل القواعد الثابتة؛ وذلك لأسباب يمكن استنتاجها بسهولة من إعجابه بأفكار بيرك.
لقد تقبل كينز الرأي الذي أرجع أصله لبيرك، والقائل إن هدف السياسة ليس جلب المشاعر «الخيرة في ذاتها والمنفصلة عما سواها»، وإنما تيسير سعي أعضاء المجتمع نحو الأهداف الأخلاقية، عن طريق ضمان توافر ظروف «الراحة البدنية والرفاهية المادية والحرية الفكرية». وتتفق متطلبات الرفاهية ومتطلبات الخيرية الأخلاقية إلى حد ما. لكن كينز لم يعتبر قط السياسة ملعبا لتحقيق أهداف أخلاقية، ولم يجعل للعواطف السياسية إلا قيمة أخلاقية محدودة.
كما أقر كينز أحد مبادئ بيرك الجوهرية الأخرى؛ وهو أن السعادة أو المنفعة التي ينبغي أن تسعى الحكومات لتعظيمها هي المنفعة قصيرة المدى، لا طويلة المدى. وكان هذا نتيجة لقبوله معيار «المخاطرة الأخلاقية» لكل من مور وبيرك؛ إذ يقول: «طالما رأى بيرك - وكان على صواب - أنه نادرا ما تصح ... التضحية بمنفعة حاضرة من أجل منفعة مستقبلية غير مؤكدة.» وكان مفهوم المخاطرة الأخلاقية أحد المبادئ التي وجهت أعمال كينز السياسية. كما حصنه بنفس القدر من الشيوعية وفكر التضحية الموجود ضمنا في معظم الأفكار الاقتصادية التقليدية.
مع ذلك رأى كينز أن بيرك فسر معيار «المخاطرة الأخلاقية» على نطاق شديد الضيق؛ إذ انتقد بيرك في مقاله عام 1904 «لتفضيله السلام على الحقيقة، ولتردده الشديد في قبول شر حال من أجل تحقيق منفعة مستقبلية، ولإنكاره أن البشر يفعلون الصواب، إلا فيما ندر من الحالات؛ لأنهم يحكمون على أفعالهم بالصواب.» فقد كان تشكك بيرك المعرفي هو ما أجبره للعودة إلى التقاليد. أنكر بيرك قيمة السعي للوصول إلى الحقيقة على أساس أن ذلك ربما يفسد سلام الأمة (أي خير حال) بغير وجود ضمانة لوجود منفعة أكبر. وكان هذا استنتاجا أراد كينز مقاومته. فقد حاج - مستلهما فكر ميل - أنه «مهما كانت التبعات الفورية لحقيقة جديدة، فإن هناك احتمالا قويا أن تلك الحقيقة ستؤدي إلى نتائج أفضل من نتائج الزيف على المدى البعيد.» واتسق هذا مع هجومه على فكرة مور باتباع القواعد المتفق عليها على المستوى العام بدلا من الحكم الفردي. لكنه خلص إلى أن «التحيز الحديث للحقيقة ربما يكون مبنيا على أسس غير كافية إلى حد ما»؛ لذا يمكن اعتبار كتاب كينز «بحث في الاحتمال» ردا على كل من مور وبيرك في هذه المسألة؛ فقد كانت العقلانية مبدأ هاما في فلسفة كينز السياسية. وكانت فكرة السياسة التي توجهها العقلانية تتضمن أفقا مستقبليا متفائلا، وربما ثوريا غير موجود في المذهب الكلاسيكي المحافظ. لقد كان إيمان كينز بقوة العقل وإمكانية تصرف الحكام تبعا لما يمليه عليهم هو ما جعله يسمح بقدر كبير من الحرية للحكام في وضع السياسات الاقتصادية.
Halaman tidak diketahui