ما دام إذن يلزم أن يكون الفاعل والقابل هما متحدين ومتشابهين في الجنس ولا متشابهين في النوع، وإن هذه هي نسب الأضداد فينتج من هذا جليا أن الأضداد والأوساط تفعل وتقبل على طريق التكافؤ بعضها إزاء البعض الآخر، فإن فيها مطلقا يحصل فساد الأشياء وكونها؛ لذلك فبسيط جدا أن النار تسخن وأن البرد يبرد، وعلى جملة من القول إن الشيء الذي يفعل يحيل إلى ذاته الشيء الذي يقبل فعله. ما دام أن هذا الذي يفعل وهذا الذي يقبل هما ضدان، وأن الكون هو على التحقيق تحول الشيء إلى ضده، ينتج منه أن بالضرورة الذي ينفعل يتغير بهذا الذي يفعل، وعلى هذا النحو فقط يحصل كون مفض إلى الضد.
6
هذا هو الذي يوضح جيدا كيف أن فلاسفتنا من غير أن يكرروا صراحة الأقوال أعيانها يمكنهم مع ذلك على الوجهين أن يصلوا إلى استكشاف الطبع والحق. وعلى هذا نقول تارة إنه الموضوع نفسه هو الذي ينفعل متى قلنا إن فلانا يبرإ وأنه يدفأ وإنه يبرد وإنه يعاني انفعالات من هذا القبيل. وتارة أيضا نقول مثلا إن البرودة هي التي تصير ساخنة أو إن المرض هو الذي يصير الصحة، وعلى الوجهين العبارة صادقة.
7
والأمر كذلك أيضا فيما يخص الفاعل؛ فإننا نقول أحيانا إنه هو فلان الذي يسخن الشيء الفلاني، ومرة أيضا إن الحرارة هي التي تسخن؛ لأنه تارة هي المادة التي تقبل الفعل وتارة أيضا الضد هو الذي يقبل. على ذلك فإنه بنظر الأشياء من هذه الجهة زعم بعضهم أن الموجود الذي يفعل والذي ينفعل يجب أن يكون بينهما شيء من التماثل. وإن الآخرين بنظرهم الأشياء من جهة مخالفة زعموا أن الأمر على الضد من ذلك تماما.
8
ولكن التدليل الذي يمكن عمله لإيضاح ما هو يفعل وينفعل هو نفسه الذي به يوضح ما هو يحرك ويتحرك، وعلى ذلك لفظ المحرك يحمل أيضا على معنيين؛ فأولا الشيء الذي فيه يوجد مبدأ الحركة يشبه أن يكون المحرك ما دام المبدأ هو أول العلل، وثانيا إنما هو الحد الأخير بالإضافة إلى الشيء الذي هو محرك وإلى كون الشيء.
9
وتنطبق الملاحظة نفسها على الفاعل، وعلى هذا النحو نقول على السواء إن الطبيب هو الذي يبرئ أو هو النبيذ الذي أمر به للمريض. وحينئذ لا شيء يمنع من أن المحرك الأول في الحركة التي يعطيها يبقى هو نفسه غير متحرك، بل أحيانا قد تكون هناك ضرورة إلى أن يكونه، ولكن الحد الأخير يجب دائما لأجل أن يحرك أن يكون أولا قد حرك هو نفسه.
10
Halaman tidak diketahui