3
لكن إذا أريد استيضاح الفعل والانفعال والاختلاط بجلاء لزم بالضرورة أيضا دراسة ما هو التماس بين الأشياء. إن الأشياء لا يمكنها حقيقة الفعل والانفعال أحدها بالآخر حين لا يمكنها التماس على التبادل، وإذا لم تكن قد تلامست سابقا بأي وجه ما فلا يمكنها أبدا أن تختلط أحدها بالآخر، فيلزم إذن أولا حد هذه الظواهر الثلاث: التماس والاختلاط والفعل.
4
فلنصدر عن هذا المبدأ؛ وهو أنه بالنسبة لجميع الأشياء التي فيها الاختلاط يلزم مطلقا أنها يمكنها أن تتلامس بينها، وإذا كان الواحد يفعل والآخر ينفعل بالمعنى الخاص؛ فيلزم أيضا أن يكون هذا التماس ممكنا، هذا هو سببنا في الكلام بادئ بدء على التماس.
5
لكن كما أن أكثر الكلمات الأخرى هي مأخوذة على عدة معان تارة بطريق التواطؤ وتارة بالاشتقاق من كلمات أخرى سابقة عليها، كذلك يقع هذا التنوع في الإطلاق اللفظي بالنسبة للفظ التماس. ومع ذلك فإن التماس بالمعنى الخاص لا يمكن أن ينطبق إلا على الأشياء التي لها وضع، ولا وضع إلا للأشياء التي لها مكان؛ لأنه يلزم أن يعنى بالتماس وبالمكان كما يعنى الرياضيون، سواء أكانا - أي المكان والتماس - منفصلين عن الأشياء أم كانا يوجدان بأي وجه ما. وحينئذ إذا كان كما بين سابقا أن التماس هو أن تجتمع النهايات، فيمكن أن يقال إن هذه الأشياء تتلامس على التي، وهي ذات أعظام وأوضاع معينة، نهاياتها مجتمعة معا.
6
ولكن لما كان الوضع خاصا بالأشياء التي لها أيضا أين، وكان الفصل الأول للأين هو الفوق والتحت مع المقابلات الأخرى من هذا القبيل، ينتج منه أن جميع الأشياء التي تتلامس يجب أن يكون لها ثقل أو خفة أو هاتان الخاصتان معا أو على الأقل إحدى الاثنتين. وهذه الأشياء من هذا النوع إنما هي القابلة للفعل وللانفعال، فبين إذن بذاته أنه يجب استنتاج أن تلك الأشياء تتلامس بالطبع، وأنها بما هي أعظام منفصلة ومتمايزة فنهاياتها واقعة طرفا لطرف، ويمكنها أحدها أن يحرك والآخر أن يتحرك على التكافؤ أحدهما بالآخر. ولكن لما أن المحرك لا يحرك بالطريقة عينها التي بها الشيء المحرك يحرك في دوره، وأن هذا الأخير لا يمكن أن يحرك إلا بما هو واقع في الحركة هو نفسه، في حين أن الآخر يمكنه أن يحرك مع بقائه هو نفسه غير متحرك؛ فمن البين أنه يمكننا تطبيق هذه التماييز عينها على الجسم الذي يفعل؛ لأنه حتى في اللغة العامية يقال أيضا على السواء إن الذي يحرك يفعل وإن الذي يفعل يحرك.
7
ومع ذلك يوجد هنا فصل ما ، فينبغي التمييز؛ ذلك أن كل ما يحرك لا يمكنه دائما أن يفعل كما سنرى بالمقابلة بين ما يفعل وبين ما ينفعل؛ فإن جسما لا ينفعل إلا في الأحوال التي فيها تكون الحركة تأثرا أو شهوة، ولا توجد شهوة إلا في حالة ما يكون بالجسم مجرد استحالة، مثلا في حالة ما يصير حارا أو يصير أبيض. ولكن معنى التحريك له من السعة أكثر مما لمعنى الفعل، وحينئذ من البين أن المحركات أحيانا يجب أن تلامس الأشياء التي تحركها وأحيانا لا تلامسها.
Halaman tidak diketahui