تحليل نظرية غرغياس
لسكستوس أمبيريكوس
Adversus Mathemadicos Logicos (ك7، ص385، طبعة 1842)
قال سكستوس بعد أن أثنى على فروطاغوراس وأوتيديم وريونيسودور الذين لم يعترفوا بالموجود وبالحقيقة إلا في الإضافي: «غرغياس الليونتيومي قد تبوأ مكانا أيضا في طائفة الفلاسفة الذين أنكروا ملكة الحكم، ولكنه لم يتخذ في هجماته الطريقة التي اتخذها فروطاغوراس؛ فإنه في كتابه المعنون «في اللاموجود أو في الطبيعة» يقرر النقط الثلاث الآتية: أولا أنه لا شيء بموجود، وثانيا أنه إذا كان شيء موجودا فذلك الشيء هو غير قابل لأن يدركه الإنسان، وأخيرا وثالثا أن هذا الشيء لو كان قابلا لإدراكنا لما أمكن التعبير عنه ولا تفهيمه الغير.
وإليك كيف يثبت النقطة الأولى؛ وهي أن لا شيء بموجود. إذا كان شيء موجودا فإنما هو الموجود أو اللاموجود أو الموجود واللاموجود معا. ولكن الموجود ليس موجودا كما سيبسطه، واللاموجود كذلك ليس موجودا كما سيبينه. وأخيرا ما هو معا موجود ولا موجود لا يوجد كما سيبينه. إذن لا شيء بموجود، بديهي أن اللاموجود غير موجود؛ لأنه إذا كان اللاموجود موجودا فينتج منه أنه يوجد ولا يوجد معا؛ لأنه من جهة أنه متصور لاموجودا فلن يوجد، ومن جهة أنه اللاموجود فهو سيوجد من جديد وعلى العكس. ولكن من السخف أن شيئا يكون ولا يكون معا؛ إذن اللاموجود غير موجود ألبتة. أضف إلى ذلك أنه من جهة نظر أخرى إذا كان اللاموجود موجودا فالموجود حينئذ لا يوجد لأنهما على التكافؤ ضدان أحدهما للآخر. وإذا كان الموجود يصل إلى اللاموجود فاللاموجود يصل إلى الموجود.»
ولكن ما دام الموجود ليس موجودا فاللاموجود ليس موجودا من باب أولى، على هذا أقول: إن الموجود ليس موجودا؛ لأنه إذا كان الموجود موجودا فإما أن يكون أزليا وإما أن يكون مخلوقا وإما أن يكون معا أزليا ومخلوقا. ولكن - كما سنبرهنه - الموجود ليس لاأزليا ولا مخلوقا ولا كليهما معا. أقول: إذن إن الموجود لا يكون؛ لأنه إذا كان الموجود أزليا - ما دام أنه يجب الابتداء بذلك - فليس له أول وكل ما يولد له أول، والأزلي بما هو لم يخلق لا يمكن أن يكون له أول ما، وبما هو ليس له أول فهو لامتناه، وبما هو لامتناه فليس في أي مكان ما. وفي الحق إنه إذا كان في مكان ما فيلزم أنه كان موجود آخر غيره وفيه يوجد. وإذا كان الموجود محويا هكذا في شيء ما فلا يكون بعد لامتناهيا ما دام أن الحاوي هو أكبر من المحوي، ولا يمكن أن يكون شيء أكبر من اللامتناهي؛ إذن اللامتناهي ليس في حيز ما.
ولكن اللامتناهي لا يمكن أن يكون كذلك محويا في ذاته؛ لأنه إذن يكون المحل والحال يشتبهان ويصير الموجود اثنين: المحل أولا ثم الجسم، فإن ما فيه الجسم هو الحيز وما في الحيز هو الجسم، ولكن هذا سخف. وبالنتيجة فالموجود ليس كذلك حالا في ذاته، وبالنتيجة أيضا إذا كان الموجود أزليا فهو لامتناه، وبما هو لامتناه فهو ليس في أي حيز، وبما هو ليس في حيز فهو غير موجود، إذا كان إذن الموجود أزليا فلا يمكن أن يكون له كذلك أول.
ومن جهة أخرى الموجود لا يمكن كذلك أن يكون قد خلق، فإذا كان بالمصادفة قد ولد فيجب أن يكون قد أتى من الموجود؛ لأنه إذا كان الموجود موجودا فذلك بأنه لم يكن قد ولد وأنه موجود من قبل، ولا من اللاموجود ما دام اللاموجود لا يمكن أن يكون شيئا ما أيا كان ما دام أن ما هو قادر على أن يكون شيئا يجب بالضرورة أن يكون قد شارك في الوجود؛ إذن فالموجود لا يمكن أن يكون قد خلق.
وقد يثبت بالأدلة عينها أن الموجود لا يمكن أن يكون الاثنين معا؛ أعني أزليا ومخلوقا معا. وفي الحق إن هذين المعنيين يتفاسدان، وإذا كان الموجود أزليا فهو لم يولد، وإذا ولد فليس أزليا. حينئذ مرة أخرى، الموجود بما هو لا أزلي ولا مخلوق ولا الاثنان معا فذلك بأنه لا يوجد ألبتة.
دليل آخر: إذا كان الموجود يوجد فهو واحد أو كثرة. ولكن الموجود ليس واحدا ولا متكثرا كما سنرى ذلك؛ ومن ثم فالموجود ليس ألبتة؛ فإذ افترض واحدا فهو إما كم وإما متصل وإما عظم ما وإما جسم. ولكن ما هو في أي ما من هذه الأحوال ليس بعد واحدا. وفي الحق إنه إذا كان الموجود كما فيكون منقسما، وإذا كان متصلا فيمكن فصله، وإذا افترض له في الذهن عظم فلا يكون بعد غير منقسم. وإذا ذهب إلى حد أن يجعل جسما فإذن يكون له الأبعاد الثلاثة، وبعبارة أخرى يكون له طول وعرض وعمق، ويكون مما لا يستطاع تأييده أن يدعى أن الموجود ليس على الإطلاق شيئا من ذلك كله، وإذن فالموجود ليس واحدا.
Halaman tidak diketahui