============================================================
نظرا منكبيه فرأيا اللمعة، فقالا: استغفز لنا. قال: ما أخص بالاستغفار أحدا، ولكن للمؤمنين والمؤمنات، فمن أنتما؟ قال علي كرم الله وجهه: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي. فاستوى أويس قائما، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ويا ابن ابي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيرا، ثم عرض عليه عمر رحي الله عنه كسوة ونفقة، فقال: ما أصنع بهما، أما ترى علي ازارا ورداء من صوف، متى تراني أخرقهما؟ وأخذت من رعايتي أربعة دراهم، متى. تراني اكلها؟ إن بين يدي ويديك عقبة كؤودا لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول. فضرب عمر رضي الله عنه بدرته الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلذه أمه، يا ليتها كانت عاقرا لم تعالخ حملها، ألا من بأخذها بما فيها. انتهى وكان لباسه ما يجده على المزابل من الخرق، فيلتقطها فيغسلها في الفرات، ويلفق بعضها إلى بعض، وكان يتقوت مما يلتقطه منها من الكسر ونحوها، فياكل بعضها، ويتصدق ببعضها، ويقول: اللهم، إني أبرأ إليك من كل كبد جائع، اللهم، من مات جوعا فلا تؤاخذني به. فنبحه يوما كلت على مزبلة، فقال له أويس رضي الله عنه: كل مما يليك، وأنا اكل مما يليني، إن دخلث الجئة فأنا خير منك، وإن دخلت النار فأنت خير متي: وكان أهله يقولون: هو مجنون، وأقاربه به يهزؤون، والصغار به يولعون، وله بالحجارة يرجمون، فصار لا يراه أحد إلا نحو كل عام مرة، فكان شديد المحافظة على الخفاء، وكان إذا مر بالصبيان فرجموه بالحجارة يقول: يا اخوتاه، إن كتتم ترموني فارموني بأحجار صغار، لثلا تدموني، فيحضر وقث الضلاة ولا أصيب(1) الماء.
وأتاه هرم بن حيان فقال له: ما جاء بك ؟ قال : جئت لأنس بك. فقال له: ما كنث أرى أحدا يعرف ربه فيانس بغيره.
(1) في المطبوع: أصب.
21
Halaman 212