238

Kasr Hudud

كسر الحدود

Genre-genre

تكمن الخديعة أيضا في أن «برنارد لويس » يعتبر هنا في أمريكا من أهم الخبراء في الإسلام وأكثر المدافعين عن الإسلام والحضارة الإسلامية في العصور الوسطى، وهو يختلف هنا عن مفكرين آخرين، منهم «هنتنجتون وفرانسيس فوكاياما» الذين يرون أن المشكلة في الإسلام ذاته، وأنه دين يناقض الحضارة والتحضر، وفي حاجة إلى تغيير جذري حتى يتحضر.

ويدافع بعض النخب العربية والإسلامية عن برنارد لويس (وأمثاله)؛ لأنه لا يدين الإسلام ذاته، لكن منطق برنارد لويس لا يقل خطورة عن منطق الآخرين؛ لأنه يتجاهل أهم الأسباب التي أدت إلى ضعف البلاد العربية والإسلامية في مواجهة أوروبا وأمريكا، على رأسها الاستعمار الأوروبي والأمريكي (الاقتصادي والسياسي والعسكري والفكري) والحكومات المحلية المتعاونة مع هذا الاستعمار والقاهرة لشعوبها رجالا ونساء وأطفالا. (3) التجول في مسارح برودواي

علاقتي بمدينة نيويورك قديمة منذ صيف عام 1965، بالضبط أغسطس 1965، فقد جئت لأحصل على درجة الماجيستير من جامعة كولومبيا، وقد عشت في نيويورك أحداث حرب فيتنام، وخرجت مع الطلبة والطالبات في المظاهرات ضد هذه الحرب، التي انتهت بانتصار الشعب الفيتنامي نساء ورجالا، وكنت أرى الفتيات الفيتناميات الصغيرات (مثل الأطفال الفلسطينيين اليوم) يرشقون الطائرات الحربية الأمريكية الضخمة، ويسقطونها إلى الأرض ببندقية فيتنامية صغيرة، لقد انتصرت إرادة الشعب نساء ورجالا على أقوى الأسلحة العسكرية في العالم، فلماذا لا يتكرر هذا فيما يخص الشعب الفلسطيني؟! سوف يتكرر! لا بد! وها هي دولة إسرائيل (وجيشها المدعم بأمريكا) تقاوم الانتفاضة الفلسطينية محاولة القضاء عليها دون جدوى.

منذ جئت هذه المرة إلى نيويورك ونيوجيرسي في أوائل شهر سبتمبر، وأنا أبحث عن رواية جديدة أو مسرحية تستحق الرؤية أو فيلم سينمائي جيد أو أي شيء من الإبداع الفني، دون جدوى، هناك جدب غريب يسود العالم غربا وشرقا، فيما يخص الأعمال الإبداعية الجديدة، حتى الصحف في نيويورك والمجلات أصبحت خاوية حتى من الأخبار الصحيحة، وكنت في عام 1965 أجدها دسمة مليئة بالمقالات النقدية العميقة.

والسؤال يدور في رأسي وأنا أتجول بين مسارح شارع بروداوي: هل كنت في عام 1965 فتاة غريرة تبهرها مسارح نيويورك وأنشطتها الثقافية رغم سطحيتها؟ أم أنني اليوم في عام 2002 امرأة ناضجة العقل لا يبهرها شيء وإن كان عميقا؟

هناك تنافس واضح بين مؤلفي الدراما الدينية والدراما الجنسية على مسارح برودواي، والعناوين الضخمة تشبه الإعلانات التجارية عن بضائع الشركات المتعددة الجنسيات، وقررت أخيرا مشاهدة الجنسيات، وقررت أخيرا مشاهدة مسرحية دينية وأخرى جنسية من أجل الترويح عن النفس، وقد أديت جميع الواجبات والمسئوليات تجاه الله والوطن والعائلة وكل شيء لم أحصل في حياتي على إجازات من العمل خارج البيت أو داخله، واليوم إجازة عيد الأضحى، حين كنت طالبة في جامعة كولومبيا منذ سبعة وثلاثين عاما لم تكن الجامعات في نيويورك تحترم أجازات المسلمين، وكان علينا أن نشتغل في أيام العيد الكبير والصغير، ثم نأخذ أجازات في أعياد المسيحيين واليهود، يمكن القول إن نيويورك مدينة يهودية مسيحية، نيويورك تغيرت بعد أحداث 11 سبتمبر وسقوط برجي التجارة العالمية في مانهاتن، بدأت جامعات كثيرة تهتم بدراسة الإسلام والمسلمين والعرب؛ بل ارتفعت أصوات تطلب إدخال اللغة العربية ضمن المقررات في المدارس الأمريكية على أساس: اعرف عدوك! راجت الكتب التي تحمل عناوين من نوع الإسلام والغرب، الإسلام والمرأة، الإسلام والإرهاب، والإسلام والعنف ... إلخ إلخ.

وأيضا بدأت بعض الجامعات تعطي أجازة في أعياد المسلمين للطلبة والأساتذة، وربما هذه واحدة من إيجابيات ما بعد سقوط البرجين في 11 سبتمبر، فقد بدأ الأمريكيون يحترمون المسلمين «وأعيادهم»، باعتبار أنهم أصبحوا قادرين على توجيه ضربات إليهم تسقط أعلى أبراجهم الشامخة في السماء.

دارت المسرحية الدينية حول فتاة صغيرة اسمها «كاتي» ولدت من أم مسيحية وأب يهودي، وأصبحت الفتاة حائرة بين الدين المسيحي واليهودي، ثم زادت حيرتها حين أمرها أبوها ذات يوم بألا تذكر اسم «المسيح» أمام جدتها، واندهشت الفتاة وسألت عن السبب، فقال أبوها: «لأن جدتك لا تحب المسيح»، وتصورت الفتاة الصغيرة أن جدتها العجوز قد قابلت في شبابها المسيح ولم تحبه منذ ذلك الحين.

توحي المسرحية منذ البداية الدرامية بالعمق الفلسفي، إلا أنه للأسف تضيع الفلسفة ويضيع العمق (ربما بسبب الرقابة الخفية التي تمارسها إدارة جورج بوش) إن جورج بوش الابن قد ورث عن أبيه النزعة الدينية، والإيمان بأن التيارات الأصولية الدينية هي خير من يحمي مكاسب الرأسمالية الدولية، ويضرب قوى الشر والشيطان الدينية في الخارج والداخل (في الداخل تتجسد قوى الشر في الحركات الطلابية المعارضة للحرب، والحركات النسائية المطالبة بتحرير النساء الأمريكيات من اليمين الأمريكي بزعامة الحزب الجمهوري).

تتهكم الفتاة الصغيرة على ما تقرأه في الكتب على أن الكاثوليك لا يستحمون! أما والدها اليهودي فقد تخلى عن دينه من أجل زوجته المسيحية «لورا»، وكانت لورا تخفي تاريخ زوجها الماضي عن الناس كأنما هو «عورة»، وتحاول كاتي الصغيرة أن تشرح للشاب الذي تحبه لماذا يذهب الكاثوليك إلى كرسي الاعتراف أمام القسيس في الكنيسة، ويسألها صديقها: ولماذا يذهبون للاعتراف؟

Halaman tidak diketahui