ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا سميت خمرًا لِأَنَّهَا تخامر الْعقل: أَي تخالطه. وَالثَّانِي: لِأَنَّهَا تخمر الْعقل: أَي تستره، من قَوْلهم: خمرت الْمَرْأَة رَأسهَا بخمار: أَي غطته. وَالثَّالِث: لِأَنَّهَا تخمر: أَي تغطى لِئَلَّا يَقع فِيهَا شَيْء.
وَجَمِيع الأنبذة قد سَاوَى عصير الْعِنَب فِي هَذَا الْمَعْنى فشملها اسْمه، وَهَذَا مَبْنِيّ على مَسْأَلَة أصولية وَهِي: هَل يجوز إِثْبَات الْأَسْمَاء بِالْقِيَاسِ أم لَا؟ فَعِنْدَ جُمْهُور الْعلمَاء يجوز ذَلِك، فيسمى النَّبِيذ خمرًا قِيَاسا على الْخمر، والنباش سَارِقا قِيَاسا على السَّارِق، واللوطي زَانيا قِيَاسا على الزَّانِي. وَيدل على هَذَا قَول عمر: الْخمر مَا خامر الْعقل. وَذهب الحنفيون وَجُمْهُور الْمُتَكَلِّمين إِلَى الْمَنْع من ذَلِك، وَقَالُوا: قد نراهم يسمون الزّجاج الَّذِي تقر فِيهِ الْمَائِعَات قَارُورَة، وَلَا يسمون الْكوز قَارُورَة، فَبَان بذلك أَن الْأَسْمَاء تثبت توقيفا.
وَأجَاب الْأَولونَ فَقَالُوا: الْأَسْمَاء على ضَرْبَيْنِ: أَعْلَام، وَهِي الألقاب الْمَحْضَة الَّتِي يقْصد مِنْهَا تَعْرِيف الْأَعْيَان وتفريق مَا بَين الذوات لَا لِمَعْنى وَلَا لإِثْبَات صفة، كَقَوْلِنَا: زيد وَعمر، فَهَذَا من الِاصْطِلَاح وَالِاخْتِيَار، وَلَا مدْخل للْقِيَاس فِي ذَلِك. وَالثَّانِي: اسْم مُقَيّد بِصفة وضع لأَجلهَا، كَقَوْلِنَا: قَاتل؛ فَإِنَّهُ سمي بذلك لوُجُود الْقَتْل مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْخمر لمَكَان مخامرتها لِلْعَقْلِ. على أَن الصَّحَابَة الَّذين سموا هَذِه الْأَشْيَاء أفْصح الْعَرَب. وَأما تَسْمِيَة القارورة خَاصَّة فَإِنَّهُم خالفوا بَين الْأَسْمَاء لاخْتِلَاف الْأَنْوَاع، وَذَلِكَ لَا يرفع أصل الْقيَاس فِيمَا بَقِي.
1 / 61