قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَيْسَ قَوْله ذَاكِرًا من الذّكر بعد النسْيَان، إِنَّمَا أَرَادَ: متكلما بذلك، كَقَوْلِك ذكرت لفُلَان حَدِيث كَذَا. وَقَوله: وَلَا آثرا: يُرِيد مخبرا عَن غَيْرِي أَنه حلف بِهِ. وَمِنْه: حَدِيث مأثور: أَي يخبر بِهِ النَّاس بَعضهم بَعْضًا.
فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد فِي " سنَنه " من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي ﷺ فَسَأَلَهُ عَمَّا افْترض الله عَلَيْهِ، فَلَمَّا أخبرهُ قَالَ: وَالله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص، فَقَالَ رَسُول الله: " أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق. دخل الْجنَّة وَأَبِيهِ إِن صدق ". فَكيف ينْهَى عَن شَيْء يَسْتَعْمِلهُ؟
فَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: أَنه لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظ المخرجة فِي الصَّحِيح، وَالصَّحِيح مقدم.
وَالثَّانِي: أَن أَكثر الروَاة يروون بِالْمَعْنَى على مَا يَظُنُّونَهُ، فَيحمل على أَنه من قَول بَعضهم.
وَالثَّالِث: أَنه يحمل على مَا قبل النَّهْي؛ لِأَن قَوْله: " إِن الله يَنْهَاكُم " يشْعر بإتيان وَحي فِي ذَلِك.
وَالرَّابِع: أَن يكون هَذَا مِمَّا جرى على لِسَانه على سَبِيل الْعَادة، وَلم يقْصد بِهِ قصد الْقَوْم، لأَنهم كَانُوا يعظمون الْآبَاء ويفتخرون بهم، وَكَانُوا إِذا اجْتَمعُوا بِالْمَوْسِمِ ذكرُوا فعال آبَائِهِم وأيامهم فِي الْجَاهِلِيَّة
1 / 52