وقال الإمامُ نجمُ بنُ الإمامِ عبدِ الوهاب بنِ الإمامِ أبي الفَرَجِ الحنبلي - وقد حضرَ مجلسَ الحافظِ عبد الغني -: يا تقي الدينِ! واللهِ لقد حملتَ الإسلام، وأقسمُ لو أمكنني ما فارقتُك، ولا مجلسًا من مجالسك.
وقال الحافظ الضياء: سألتُ خالي الإمامَ موفق الدين عن الحافظ عبد الغني، فكتبَ بخطه، وقرأتُه عليه: كان جامعًا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه، إلا القليل، وكمل اللهُ فضيلتَه بابتلائِه بأذى أهل البدعةِ، وعداوتهم إياه، وقيامِهم عليه، ورُزق العلمَ وتحصيلَ الكتب الكثيرة، إلا أنه لم يُعَمَّرْ حتى يبلغَ غرضَه في روايتها ونشرِها - رحمه الله تعالى -.
قال الحافظ الضياء: كان شيخُنا الحافظُ ﵀ لا يكادُ يُضيعُ شيئًا من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجرَ، ويلقنُ الناسَ القرآنَ، وربما قرأ شيئًا من الحديث، فقد حفظْنا منه أحاديثَ جمة تَلَقيناها، ثم يقوم ويتوضأُ، ويصلي ثلاثَ مئةِ ركعةٍ، بالفاتحة والمعوذتينِ، إلى قبيلَ وقتِ الظهر، ثم ينام نومةً يسيرة إلى وقت الظهر، ثم يصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع للحديث، أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا، أفطر بعدَ المغرب، وإنْ كان مفطرًا، صلى من المغرب إلى عشاء الآخرة، فإذا صلى العشاءَ الآخرةَ، نامَ إلى نصفِ الليل أو بعدَه، ثم قام كأن إنسانًا يُوقظه، فيتوضأُ ويصلي لحظة، ثم يتوضأُ ويصلي كذلك، ثم يتوضأُ ويصلي إلى قرب الفجر، فربما توضأَ في الليلة سبعَ مراتٍ أو ثمانيةً أو أكثرَ، فإذا قيل له في ذلك، قال: ما تطيب لي الصلاةُ إلا ما دامت أعضائي مرطبة، ثم ينام نومةً يسيرةً إلى الفجر، وهذا دأبُه، وكان لا يكاد يصلي صلاتين مفروضتين [بوضوءٍ واحدٍ]، وكان يستعمل