مغذى نطف البذر في بطن أمه، ومستخرجه بالنمو من غمة غمه، فإذا تمخضت الحوامل بحملها، بنات النبات من حفرة رملها، جعلت حواليها إلى، وحضانتها لدى، فلم يزل ثدى درى عليه درارا، ومزيد برى إليه مدرارا، فإذا انقضت أيام الرضاع، ولم يبق إلا أيام الفطام، قطعت عنه درى، فيصبح لأهل الدنيا حطاما، وكان بالأمس يحرس أن لا يضام سروره في انسكاب عبراتى، ونشوره في بعث قطراتى، فالكل في الحقيقة أطفالي، لو اعترفوا بحقى لكانوا من الجوى أطفالي، وقد سمع كل حي في الحي، وجعلنا من الماء كل شيء حي، وفى ذلك أقول:
وًإِذَا نَظَرتُ لِرِيعِهَا المِهْطَالِى ... أَبْكِى عَلَيْهِ بِدَمْعِى الهَطَّالِ
يَبْكِى المشُوقُ إِذَا البُروقُ تَبَسَّمَتْ ... وَوَشَتْ إِلَيْهِ نَسَائِمُ الأَوْصالِ
فَتَنَفّس الصُّعَدَاء مِنْ زَفَرَاتِهِ ... مُتَلفِّتًا لِدَوارِسِ الأَطْلالِ
لا تَعْذُلَنه عَلَى جَواهُ وَلاَ تَلُمْ ... هـ فَلَسْت عَنْه إلى المماتِ بسَالِى
واحذر مُقَاوَمَةَ الغَرَامِ فَإنَّهُ ... فِيهِ اللَّبِيب مُبَلْبلُ البَلْبَالِ
1 / 74