اللالئ والجواهِر. تَنْظِمُ منْها الأَلْسِنة عقودًا ترُوق في العِيان،
وتُحلَّى بها أجْيَاد الملُوك والأعْيَان.
ولما أقَمْت على مُطالعة نَظْمِه ونَثْره، ومَرَيْتُ أَخْلاَفَه لاجْتِلاب دَرِّه، واقْتبسْتُ أَنْوار بدُورِهِ،
وارْتَشفتُ العذْبَ الشَّهيَّ من ثُغُورِه، وحامَتْ مدَّةً على مشارِعِهِ طيْرُ جَناني، حَويْتُ خطيرَهُ وانقاد
شارده في عِناني، وارتاض لي منه ما تشعَّبَ، وانفتح مقْفل ما تغلق وتأشَّب. فملكتُ منه حظًا وافرًا،
وعِلْقًا سنيًا عن مثال نور البدر سافرًا.
على أن ميدانه في زماننا عاطل من الرهان، ومَصُونه قد عاد في قبضة الامتهان، وقد أفلت بدوره
ونجومه، ودرست معالمه ورسومه، وعَرِيت الهمم من مطارفه، وزُهِدَ في اكتساب معارفه، وَأَبَتْه
الطباعُ، ومَجَّته الأسماع، وأوضعت عنه القلوبُ أيْ إيضاع، وصدَّت عنه النفوس صدود الجَبَان عن
ميدان الحرب، أو الخاشع الأوَّاه عن نديِّ الشُّرب. فحامله اليوم (أضْيَعُ من قمر الشتاء) وأهون مِمَّنْ
دبَّ فوق البطحاء حين حظي أهل البطالة، وبَلغُوا البُغْية بغير آلة، ونالوا الدرك بغير سبب، وآثروا
الراحة على الطلب، وصارت قيمةُ المرء على قدر فضَّتِه وذَهبِه، لا على قدْرِ معرفته وحسبه، وهان
على كل إنسان أن يَثْلَمَ قَدْرُه، ويسلم له وفرُه.
فكم من فَدْمٍ قد غلظ طبعه، وصمَّ عن الواجب سمعُه، وبعُد فَهْمُه، وطال في جمع المال هَمُّه، وأَدْلج
في طِلاَبِه وأَسْرى، وتَكبَّر على الناس لمَاَّ أتْرَب وأَثْرَى، وجَهِل أن الدَّهر بالناس قُلَّب، وأن حِمَامه
كلَمْح البَصَر أَوْ هُو أَقْرب.
زمانٌ نُبِذَ فيه الطَّلبُ بالعَراءِ، ولحظ الطَّالبُ بعين الازْدِراء، ومالت النُّفوس مع الأهْواء، حتى
تلاعَبت بالعقول تلاعب الأفعال بالأسماء. قلَّ فيه المتنَاظَرُون وعدم المُتذاكِرونَ:
1 / 71