باب عرض الكتاب ترجمة عبد الله بن المقفع
هذا كتاب كليلة ودمنة، وهو مما وضعه علماء الهند من الأمثال والأحاديث التي ألهموا أن يدخلوا فيها أبلغ ما وجدوا من القول في النحو الذي أرادوا. ولم تزل العلماء من أهل كل ملة يلتمسون أن يعقل عنهم، ويحتالون في ذلك بصنوف الحيل؛ ويبتغون إخراج ما عندهم من العلل، حتى كان من تلك العلل وضع هذا الكتاب على أفواه البهائم والطير. فاجتمع لهم بذلك خلالٌ. أما هم فوجدوا متصرفًا في القول وشعابًا يأخذون منها. وأما الكتاب فجمع حكمةً ولهوًا: فاختاره الحكماء لحكمته. والسفهاء للهوه، والمتعلم من الأحداث ناشطٌ في حفظ ما صار إليه من أمر يربط في صدره ولا يدري ما هو، بل عرف أنه قد ظفر من ذلك بمكتوي مرقومٍ. وكان كالرجل الذي لما استكمل الرجولية وجد أبويه قد كنزا له كنوزًا وعقدا له عقودًا استغنى بها عن الكدح فيما يعمله من أمر معيشته؛ فأغناه ما أشرف عليه من الحكمة عن الحاجة إلى غيرها من وجوه الأدب.
1 / 58